وَنُدِبَ فِيهِ تَقْدِيمُ التَّشَهُّدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْمُرْهُمْ بِالشَّهَادَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَقُولَ: إنَّهَا وَصِيَّتِي، وَإِنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا، كَذَا نَقَلَهُ الْبَاجِيَّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا لَفْظَ أَنَّهُ أَتَى بِهَا الشُّهُودُ، وَكَذَا فِي النَّوَادِرِ. وَقَالَ الصِّقِلِّيُّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَإِذَا أَتَى الشُّهُودُ بِوَصِيَّةٍ وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ إلَى آخِرِهَا فَلَا تَنْفُذُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ إتْيَانَهُ إلَيْهِمْ وَقِرَاءَتَهَا عَلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ مِمَّا يُنْفِذُهَا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي نَوَادِرِهِ مِنْ الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَنْفُذُ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا.
(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ (تَقْدِيمُ) ذِكْرِ (التَّشَهُّدِ) أَيْ أَنَّهُ يَشْهَدُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَلِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ". ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَنْ كَتَبَ وَصِيَّتَهُ فَلْيُقَدِّمْ ذِكْرَ التَّشَهُّدِ. الشَّيْخُ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةُ وَالْمَجْمُوعَةِ، قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَنْ أَدْرَكْتُ يَكْتُبُونَ التَّشَهُّدَ قَبْلَ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ وَمَا زَالَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي وَأُرَاهُ حَسَنًا، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ كُلُّ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ تَشَهَّدَ أَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ قَدْ تَشَهَّدَ نَاسٌ فُقَهَاءُ صَالِحُونَ، وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ وَذَلِكَ قَلِيلٌ.
وَفِيهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمْ يَذْكُرْ لَنَا مَالِكٌ كَيْفَ التَّشَهُّدُ. الْبَاجِيَّ عَنْ أَنَسٍ كَانُوا يُوصُونَ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَوْصَى مَنْ يَتْرُكُ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَأَوْصَى بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وَأَوْصَى إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا. وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ فِي ذَلِكَ أُؤْمِنُ بِالْقَدْرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، قَالَ: مَا أَرَى هَذَا إلَّا كُتُبَ الصَّفْرِيَّةِ والإباضية قَدْ كَتَبَ مَنْ مَضَى وَصَايَاهُمْ فَلَمْ يَكْتُبُوا مِثْلَ هَذَا. قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الرُّشْدَ فِي الِاتِّبَاعِ، وَيُجْتَنَبُ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا الِابْتِدَاعُ فَلَنْ يَأْتِيَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ