وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ بِوَصِيَّةٍ؛ وَإِلَّا قُبِلَ لَهُمَا؛
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوهَ لَا شَهَادَةَ فِيهَا إلَّا بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا لِإِصْلَاحِ السَّبِيلِ وَرَدِّ أَكْثَرِ الشَّرِّ اهـ مِنْ الْمُفِيدِ، فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ الرَّمَاصِيِّ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ شَهِدَ لَهُ) أَيْ الشَّاهِدُ نَفْسُهُ (بِ) مَالٍ (كَثِيرٍ وَلِغَيْرِهِ) أَيْ الشَّاهِدِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (بِوَصِيَّةٍ) لِلتُّهْمَةِ. وَفِي الْجَلَّابِ قَبُولُهَا لِغَيْرِهِ فَقَطْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِنَفْسِهِ بِكَثِيرٍ وَشَهِدَ لَهَا بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ بِهَا (قُبِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَا شَهِدَ بِهِ لَهُمَا. هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُهُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مَكْتُوبَةً أَمْ لَا.
فِيهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " عَنْهُمَا فِيمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ فِي ذِكْرِ حَقٍّ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ، فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ عَلَى وَصِيَّةٍ أَوْصَى لَهُ فِيهَا بِشَيْءٍ تَافِهٍ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ فَتَجُوزُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُجَازَ الشَّهَادَةُ وَيُرَدَّ بَعْضُهَا، وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " فِي رَجُلٍ هَلَكَ فَشَهِدَ رَجُلٌ أَنَّهُ أَوْصَى لِقَوْمٍ بِوَصَايَا وَوَصَّى لِلشَّاهِدِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ أَسْنَدَ الْوَصِيَّةَ إلَى الشَّاهِدِ وَهُوَ يَشْهَدُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ تَافِهًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ. ابْنُ يُونُسَ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا ضَرُورَةٌ، إذْ قَدْ يَخْشَى الْمُوصِي مُعَالَجَةَ الْمَوْتِ وَلَا يَحْضُرُهُ إلَّا الَّذِي أَوْصَى لَهُ، وَلَا ضَرُورَةَ تَلْحَقُ الْمُشْهَدَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَكَمَا أَجَازُوا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ لِلضَّرُورَةِ وَشَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ. طفى قَوْلُهُ وَلَا مَنْ شَهِدَ لَهُ إلَخْ الْأَوْلَى تَجْرِيدُهُ مِنْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَنْ سَلَكَ مَا قَبْلَهُ وَتَوَهَّمَ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَيْسَ بِمُسَوِّغٍ لِذَلِكَ، ثُمَّ فِيهِ تَعَدَّى فِعْلُ الْفَاعِلِ الْمُتَّصِلِ إلَى ضَمِيرِهِ الْمُتَّصِلِ، وَذَلِكَ خَاصٌّ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِشَهِدَ، بَلْ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ كَثِيرٌ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، وَيَصِيرُ فِي الْكَلَامِ رَكَاكَةٌ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي وَصِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ كَثِيرًا لَمْ يُقْبَلْ فِيهِمَا. الْبُنَانِيُّ لَا يَبْعُدُ إجْرَاءُ شَهِدَ مَجْرَى أَفْعَالِ الْقُلُوبِ لِرُجُوعِهِ لِلْعِلْمِ.
قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَاصَّ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ رَفْعُهَا وَنَصْبُهَا بِلَا وَاسِطَةِ حَرْفِ جَرٍّ ضَمِيرَيْ