وَأَمَرَ بِالصُّلْحِ: ذَوِي الْفَضْلِ وَالرَّحِمِ: كَأَنْ خَشِيَ تَفَاقُمَ الْأَمْرِ

وَلَا يَحْكُمُ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ؛

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَصْبٌ أَوْ سَرِقَةٌ وَدَعْوَى الْقَذْفِ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِتَنَازُعِهِمَا وَتَشَاجُرِهِمَا.

(وَأَمَرَ) الْقَاضِي (بِالصُّلْحِ ذَوِي) أَيْ أَصْحَابَ (الْفَضْلِ) الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَهُ لِلطَّالِبِينَ قَضَاءَهُ بَيْنَهُمْ (وَ) ذَوِي (الرَّحِمِ) أَيْ لِلْقَرَابَةِ إذَا تَشَاجَرُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فَلَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالصُّلْحِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِتَأْلِيفِ النُّفُوسِ وَيُذْهِبُ غِلَّ الصُّدُورِ، وَفَصْلُ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ يُؤَكِّدُ عَدَاوَتَهُمْ وَغِلَّ صُدُورِهِمْ. وَشَبَّهَ فِي الْأَمْرِ بِالصُّلْحِ فَقَالَ (كَأَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ النُّونِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ مَقْرُونٌ بِكَافِ التَّشْبِيهِ صِلَتُهُ (خَشِيَ) الْقَاضِي (تَفَاقُمَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْفَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ، أَيْ تَعَاظُمَ (الْأَمْرِ) أَيْ التَّنَازُعَ وَالتَّخَاصُمَ بِسَبَبِ الْحُكْمِ فَلَا يَحْكُمُ وَيَأْمُرُهُمْ بِالصُّلْحِ.

اللَّخْمِيُّ لَا يَدْعُو الْقَاضِي إلَى الصُّلْحِ إذَا تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَرَى لَهُ وَجْهًا، وَأَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْحُكْمُ تَفَاقَمَ مَا بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ وَعَظُمَ وَخُشِيَتْ الْفِتْنَةُ، وَيُنْدَبُ أَهْلُ الْفَضْلِ إلَى تَرْكِ الْخُصُومَاتِ. ابْنُ سَحْنُونٍ كَانَ أَبِي رُبَّمَا رَدَّ الْخَصْمَيْنِ إلَى مَنْ عَرَفَهُ بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، فَيَقُولُ لَهُمَا اذْهَبَا إلَى فُلَانٍ يُصْلِحْ بَيْنَكُمَا، فَإِنْ اصْطَلَحْتُمَا وَإِلَّا رَجَعْتُمَا. وَتَرَافَعَ إلَيْهِ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَبَى أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا وَقَالَ لَهُمَا اُسْتُرَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا وَلَا تُطْلِعَانِي مِنْ أَمْرِكُمَا عَلَى مَا قَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمَا. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَدِّدُوا الْحُكْمَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَام حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ.

اللَّخْمِيُّ وَهَذَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ حَسَنٌ، وَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا سَحْنُونٌ إذَا كَانَتْ شُبْهَةٌ وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالصُّلْحِ. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لَوْ اصْطَلَحَا كَانَ أَحْمَدُ وَكَانَ ابْنُ بَقِيٍّ يُطَوِّلُ فِي الْحُكْمِ الْمُلْبِسِ رَجَاءَ أَنْ يَصْطَلِحَ أَهْلُهُ وَيَقُولُ إذَا طَوَّلَ عَلَى صَاحِبِ الْبَاطِلِ تَرَكَ طَلَبَهُ وَرَضِيَ بِالْيَسِيرِ.

(وَلَا يَحْكُمُ) الْحَاكِمُ (لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ) ابْنُهُ وَأَبِيهِ وَيَتِيمُهُ وَزَوْجَتُهُ (عَلَى الْمُخْتَارِ) اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي صِحَّةِ حُكْمِهِ لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015