ثُمَّ حَكَمَ: كَنَفَيْهَا، وَلْيُجِبْ عَنْ الْمُجَرِّحِ، وَيُعَجِّزُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ حَكَمَ) أَيْ يَحْكُمُ الْقَاضِي بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَلَمْ يُثْبِتْ الْحُجَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا بِمَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَشَبَّهَ فِي الْحُكْمِ فَقَالَ (كَنَفَيْهَا) أَيْ لِلْحُجَّةِ بِأَنْ قَالَ فِي جَوَابِ قَوْلِ الْقَاضِي لَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ لَا حُجَّةَ لِي فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِلَا إنْظَارٍ. ابْنُ رُشْدٍ ضَرْبُ الْأَجَلِ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ بَيِّنَتِهِ مَصْرُوفٌ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَهُ.
(وَ) إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَأَعْذَرَ فِيهَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَأَتَى بِبَيِّنَةٍ تُجَرِّحُهَا وَسُئِلَ الْقَاضِي عَمَّنْ جَرَّحَهَا فَ (لْيُجِبْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، الْقَاضِي مَنْ سَأَلَهُ عَمَّنْ جَرَّحَ بَيِّنَتَهُ، وَصِلَةُ يُجِبْ (عَنْ الْمُجَرِّحِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُثَقَّلَةً. اللَّخْمِيُّ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ التَّجْرِيحِ سِرًّا لِأَنَّ فِي إعْلَانِهِ أَذًى لِلشَّاهِدِ، وَمِنْ حَقِّ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَعْلَمَا بِالْمُجَرِّحِ، إذْ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَرَابَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّجْرِيحَ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ مِمَّنْ يُتَّقَى شَرُّهُ (وَيُعَجِّزُهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً، أَيْ الْقَاضِي الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يُثْبِتْ حُجَّتَهُ. طفي أَيْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ فَلَيْسَ التَّعْجِيزُ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَلَفُّظُهُ بِمَادَّةِ التَّعْجِيزِ، وَإِنَّمَا يَكْتُبُ التَّعْجِيزَ لِمَنْ يَسْأَلُ تَأْكِيدًا لِلْحُكْمِ، لَا لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ الْحُجَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَفِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ انْتَظَرَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ أَنَّ لَهُ حُجَّةً وَتَبَيَّنَ لَدَدُهُ يَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ هُوَ التَّعْجِيزُ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ عَلَى تَعْجِيزِ الطَّالِبِ، وَجَوَابُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ عَزَا ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي أَتَى بِهَا بَعْدَ التَّعْجِيزِ طَالِبًا كَانَ أَوْ مَطْلُوبًا إذَا كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ قَائِلًا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَعْجِيزِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، وَهُوَ الَّذِي عَنَى الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي فَصْلِ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ، وَظَاهِرُهَا الْقَبُولُ إلَخْ.
وَالْمُدَوَّنَةُ لَمْ تُصَرِّحْ بِعُنْوَانِ التَّعْجِيزِ كَمَا عَلِمْت نَصَّهَا آنِفًا مِنْ قَوْلِهَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ حُجَّةٌ إلَخْ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُكْمِ هُوَ التَّعْجِيزُ، وَقَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ