ذَكَرٌ، فَطِنٌ، مُجْتَهِدٌ، إنْ وُجِدَ وَإِلَّا: فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْجُودِينَ. مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا أَرَى خِصَالَ الْقُضَاةِ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِي أَحَدٍ، فَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْهَا خَصْلَتَانِ الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ وَلِيَ.
(ذَكَرٌ) فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ امْرَأَةٍ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (فَطِنٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ الْفَطَانَةِ، أَيْ النَّبَاهَةِ وَجَوْدَةِ الْعَقْلِ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي يَنْخَدِعُ بِتَحْسِينِ الْكَلَامِ، وَلَا يَتَنَبَّهُ لِمَا يُفِيدُ الْإِقْرَارُ وَحِيَلِ الْخُصُومِ وَالشُّهُودِ. ابْنُ عَرَفَةَ عَدَّ ابْنَ الْحَاجِبِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَطَانَتَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطُّرْطُوشِيِّ، فَلَا يَكْتَفِي بِالْعَقْلِ التَّكَيُّفِيِّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْفَطِنَةِ بَعِيدَ الْغَفْلَةِ وَعَدَّهَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ رُشْدٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مُطْلَقَ الْفَطِنَةِ الْمَانِعَ مِنْ كَثْرَةِ التَّغَفُّلِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْفَطِنَةُ الْمُوجِبَةُ لِلشُّهْرَةِ بِهَا غَيْرُ النَّادِرَةِ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ، فَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْسَبُ لِأَنَّ فَطِنٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ كَحَذِرٍ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْفَطَانَةِ مُسْتَحَبَّةٌ لَا لَازِمَةٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُرَادُ بِالْفَطِنِ مَنْ لَا يَسْتَزِلُّ فِي رَأْيِهِ وَلَا تَمْشِي عَلَيْهِ حِيَلُ الشُّهُودِ وَالْخُصُومِ. الْحَطّ الْأَحْسَنُ ذُو فِطْنَةٍ الْمِسْنَاوِيُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْفِطْنَةَ مِنْ الشُّرُوطِ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَمُحَقِّقُو الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ.
(مُجْتَهِدٌ) أَيْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ (إنْ وُجِدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ مُقَلِّدٍ مَعَ وُجُودِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ (فَأَمْثَلُ) أَيْ أَكْمَلُ (مُقَلِّدٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ مُقَلِّدٍ دُونَهُ مَعَ وُجُودِهِ.
الْبُنَانِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْثَلِ شَرْطُ صِحَّةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ وِلَايَةُ مَنْ دُونَهُ مَعَ وُجُودِهِ، وَلَا أَظُنُّ هَذَا يَسْلَمُ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ أَعْلَمُ الْمُقَلِّدِينَ مِمَّنْ لَهُ فِقْهٌ نَفِيسٌ إلَخْ. الْبَاجِيَّ لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِ الْقَاضِي عَالِمًا مَعَ وُجُودِهِ وَاَلَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا. عِيَاضٌ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ شَرْطُهُ كَوْنُهُ عَالِمًا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا إنْ فُقِدَ الْمُجْتَهِدُ كَشَرْطِ كَوْنِهِ حُرًّا مُسْلِمًا. الْمَازِرِيُّ زَمَانُنَا عَارٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي إقْلِيمِ الْمَغْرِبِ فَضْلًا عَنْ قُضَاتِهِ. الْحَطّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ كَوْنُهُ عَالِمًا، وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْعِلْمَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ. وَقَالَ