وَالْمَعْتُوهَ: كَشَيْخٍ فَانٍ، وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى، وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ بِلَا رَأْيٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ اسْتَوْجَبَا الْقَتْلَ بِقِتَالِهِمَا.
ابْنُ رُشْدٍ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يُتْرَكَانِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ لَا يُتْرَكُ قَتْلُهُمَا تَحَرُّجًا إذْ لَا تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمَا. لَا أَنَّ قَتْلَهُمَا وَاجِبٌ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ قَتْلَهُمَا حَلَالٌ جَائِزٌ اهـ (وَ) إلَّا (الْمَعْتُوهَ) أَيْ ضَعِيفَ الْعَقْلِ. سَحْنُونٌ وَالْمَجْنُونَ وَالْمُخْتَلَّ الْعَقْلِ وَشِبْهَهُمْ، وَشَبَّهَ فِي مَنْعِ الْقَتْلِ فَقَالَ (كَشَيْخٍ فَانٍ) أَيْ لَا بَقِيَّةَ فِيهِ لِلْقِتَالِ، وَلَا لِلتَّدْبِيرِ (وَزَمِنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مُقْعَدٍ أَوْ أَشَلَّ أَوْ مَفْلُوجٍ أَوْ مُجَزَّمٍ أَوْ نَحْوِهِمْ (وَأَعْمَى) وَأَعْرَجَ (وَرَاهِبٍ مُنْعَزِلٍ) عَنْ الْكُفَّارِ (بِدَيْرٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ (أَوْ صَوْمَعَةٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ لِاعْتِزَالِهِمْ أَهْلَ دِينِهِمْ وَتَرْكِهِمْ مَعُونَتَهُمْ بِيَدٍ أَوْ رَأْيٍ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لِاعْتِزَالِهِمْ أَهْلَ دِينِهِمْ عَنْ مُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا لِفَضْلِ تَبَتُّلِهِمْ بَلْ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِشِدَّةِ كُفْرِهِمْ وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الْقَتْلِ الرَّاهِبَةُ.
وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الِاسْتِذْكَارِ كَانَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ إتْلَافِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي دَفْعَ الْمَفْسَدَةِ وَمَنْ لَا يُقَاتِلُ، وَلَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ فِي الْعَادَةِ لَيْسَ فِي إحْدَاثِ الْمَفْسَدَةِ كَالْمُقَاتِلِينَ فَرَجَعَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ.
(بِلَا رَأْيٍ) قَيْدٌ فِي مَنْعِ قَتْلِ الشَّيْخِ وَمَنْ بَعْدَهُ، وَلِذَا فَصَلَهُ بِالْكَافِ عَمَّا قَبْلَهُ. وَمَفْهُومُ بِدَيْرٍ إلَخْ أَنَّ الرَّاهِبَ الْمُنْعَزِلَ بِكَنِيسَةٍ يُقْتَلُ كَمُنْعَزِلٍ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ وَلَهُ رَأْيٌ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السَّبْعَةِ يُفِيدُ قَتْلَ أُجَرَائِهِمْ وَزُرَّاعِهِمْ وَأَهْلِ صِنَاعَاتِهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ يُؤْسَرُونَ، وَلَا يُقْتَلُونَ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ فِي دِينِهِمْ كَالْمُسْتَضْعَفِينَ. وَصَرَّحَ الْقَلْشَانِيُّ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَائِلًا خِلَافًا لِسَحْنُونٍ، وَلِذَا أَدْخَلَهُمْ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ الزَّمْنَى وَالشَّيْخُ الْفَانِي