من الأمة فاختار كل منهم حروفا بخلاف صاحبه وجدد طريقا في القراءة على ضده في أي مكان كان وفي أي زمان أراد بعد الأئمة الماضين في ذلك يعدان ذلك المختار بما اختاره من الحروف لسرعة الاختيار بما كان بذلك خارجا عن الأحرف السبعة المنزلة بل فيها متسع وإلى يوم القراءة. انتهى كلام الإمام الرازي وهو كما ترى في غاية الإنصاف والمتانة.
فهذه معاشر الإخوان بغيتنا قد سطرناها لينظر فيها المنصف ويعتمد على ما يقع له أنه الحق جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن الذين أقاموا حروفه وفهموا معانيه بالتدبر والتفكير، رزقنا الله العمل بمقتضاه والوقوف عند حدوده والقيام بحقوقه والتحلي بثمرة خشية الله من حسن تلاوته وقد قيل في قول الله عز وجل:
{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] إن الظاهرة تلاوة القرآن ومعرفة قراءته، والباطنة معرفته وفهمه.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه "تلاوة القرآن": حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب الانزجار والاتعاظ والتأثر بالائتمار. فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ. وجاء رجل إلى أبي الدرداء بابنه فقال: يا أبا الدرداء إن ابني هذا قد جمع القرآن، فقال: اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاعه. وعن الشعبي في قوله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] قال: أما أنه كان بين يديهم ولكن نبذوا العمل به. وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسا نقرأ القرآن فخرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسرورا فقال: "اقرءوا القرآن يوشك أن يأتي قوم يقرؤنه يقومون حروفه كما يقوم السهم لا يجاوز تراقيهم يتعجلون أجره ولا يتأجلونه" 1 وقال: "رب تالٍ للقرآن، والقرآن يلعنه".
اللهم اجعل القرآن حجة لنا ولا تجعله حجة علينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على النحو الذي يرضيك عنا. اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا ما ينفعنا. اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. اللهم اجعل قلبي خزانة من خزائن توحيدك، وجوارحي من خدم طاعتك، ونفسي مطمئنة بقضائك وقدرك، وعملي عملا صالحا.