مباعدةً بعدَ أزمانها ... بملحاءِ ريمٍ وأمهارها
فبتت قوى الحبلِ مصبوبةً ... على نقضها بعدَ إمرارها
وقد هاجَ شوقكَ بعدَ السلوِّ ... مشبوبةٌ من سنا نارها
بثغرةَ يوقدها ربربٌ ... كعينِ المها بينَ دوارها
حسانُ السوالفِ بيضُ الوجوهِ ... منها الخطى قدرُ أشبارها
تكادُ إذا دامَ طرفُ الجليسِ ... يكلمُ رقةَ أبشارها
يطفنَ بخودٍ لباخيةٍ ... كشمسِ الضحى تحت أستارها
أجرتكَ حبلكَ في حبها ... فطالَ العناءُ بأجرارها
وكم ليلةٍ لكَ أحييتها ... قصيرٌ بها ليلُ سمارها
بعونٍ عليهنَّ من بهجةٍ ... وحسنِ غضاضةِ أبكارها
خرجنَ إلينا على رقبةٍ ... خروجَ السحابِ لأمطارها
بزيٍّ جميلٍ كزهرِ الرياضِ ... أشرقَ زاهرُ نوارها
يعدنَ مواعدَ يلوينها ... فلا بدَّ من بعدِ إنظارها
فلو معسراتٌ فيدفعننا ... بعسرٍ عذرنا بأعسارها
ولكن يجدنَ فيمطلننا ... بليِّ الديونِ وإنكارها
ألم تعنكَ الظعنُ الموجعاتُ ... حبَّ القلوبِ بأبكارها
على كلِّ وهمٍ طويلِ القرى ... وعيهلةٍ عبرِ أسفارها
عراهمُ مرغدةٌ كالصروحِ ... قد عدلت بعدَ تهدارها
كأنَّ أزمتها في البرى ... أراقمُ نيطت بأذرارها
تفوتُ العيونَ ببعدِ المدى ... وتتبعها طرفَ أبصارها
وفتيانِ صدقٍ دعوا للصبى ... فشدوا المطي بأكوارها
فهذا لهذا وقل مدحةً ... تسيرُ غرائبُ أشعارها
محبرةً نسجها مترصٌ ... على حسنها وشيُ أنيارها
لأهلِ الندى وبناةِ العلى ... وصيدِ معدٍّ وأخيارها
كنانةُ من خندفٍ قادةٌ ... لوردِ الأمورِ وإصدارها
لنا عزُّ بكرٍ وأيامها ... ونصرُ قريشٍ وإنصارها
وما عزَّ من حانَ في حربهم ... بضغمِ الأسودِ وتهصارها
غلبنا الملوكَ على ملكهم ... وفتنا العداةَ بأوتارها
فضلنا العبادَ بكلِّ البلادِ ... عزاً أخذنا بأقطارها
وخندفُ تخطرُ من دوننا ... ومن ذا يقومُ لتخطارها
وقيسٌ وحيا نزارٍ معاً ... بحورٌ تجيشُ بتيارها
أبرت على الناسِ أيامهم ... فهم عارفونَ بأبرارها
تقرُّ القبائلُ من طولهم ... بفضلٍ فما بعدَ إقرارها
وقال عروة أيضاً:
سرى لكَ طيفٌ زارَ من أمِّ عاصمِ ... فأحبب بهِ من زورِ جافٍ مصارمِ
ألمَّ بنا والركبُ قد وضعتهمُ ... نواجي السرى قودٌ بأغبرَ قاتمِ
أناخوا فناموا قد لووا بأكفهم ... أزمةَ خوصٍ كالسمامِ سواهمِ
فبتُّ قريرَ العينِ ألهو بغادةٍ ... طويلةِ غصنِ الجيدِ ريا المعاصمِ
رخيمةُ أعلى الصوتِ خودٌ كأنها ... غزالٌ يراعي واشحاً بالصرائمِ
فيا لكَ حسناً من معرسِ راكبٍ ... ولذتهِ لو كنتَ لستَ بحالمِ
فطرتُ مروعاً لا أرى غيرَ أينقٍ ... وقعنَ بجوٍّ بينَ شعثِ المقادمِ
ثنى سيرهم دأبُ السرى فتجدلوا ... عن العيسِ إذا ملوا عناقَ القوادمِ
فقلتُ وأنى من عصيمةَ فتيةٌ ... أناخوا بخرقٍ لغباً كالنعائمِ
وقد رجمت شهراً يدورُ بها الكرى ... ذوائبهم ميلُ الطلى والعمائمِ
كتمتُ لها الأسرارَ غير مثيبةٍ ... ولا تصلحُ الأسرارُ إلاَّ بكاتمِ
فلم تجزني إلا البعادَ فليتني ... بذلكَ من مكتومها غيرُ عالمِ
لقد علمت قيسٌ وخندفُ أننا ... فسل كلَّ قومٍ علمهم بالمواسمِ
ضربنا معداً قاطبينَ على الهدى ... بأسيافنا نذري شؤونَ الجماجمِ
وقمنا على الإسلامِ حتى تبينت ... شرائعُ حقٍّ مستقيمِ المخارمِ
وقدنا الجيادَ المقرباتِ على الوجا ... إلى كلِّ كلحاً في الشكائمِ
إذا صبحت حياً عليهم ضيافةٌ ... بفرسانهم أعضضنهم بالأباهمِ
على كلِّ كردوسٍ يجالدُ حازمٌ ... رئيسٌ لمعروفِ الرئاسةِ حازمِ
فوارسها تدعو كنانةَ فيهمِ ... صناديدُ نزالونَ عندَ الملاحمِ
ونتبعُ أخراها كتائبَ مصدقٍ ... تزيفُ بأولاها حماةُ البوازمِ