سبتني بعينيْ جؤذرٍ وسطَ ربْربٍ ... وصدرٍ كفاثورِ الرُّخامِ وجيدُ
تزيفُ كما زافتْ إلى سلفاتها ... مباهيةٌ طيَّ الوشاحِ ميودُ
إذا جئتها يوماً من الدَّهرِ زائراً ... تعرَّضَ منقوصُ اليدينِ صدودُ
يصدُّ ويغضي عن هواي ويجتني ... عليَّ ذنوباً إنَّه لعنودُ
فأصرمها عمداً كأني مجانبٌ ... ويغفلُ عنَّا تارةً فنعودُ
فمن يعطَ في الدنيا قريناً كمثلِها ... فذلك في عيشِ الحياةِ رشيدُ
يموتُ الهوى منِّي إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتُها فيعود
ألم تعلمي يا أمَّ ذي الودعِ أنَّني ... أضاحكُ ذكراكمْ وأنتِ صلودُ
وقال جميل أيضاً:
لقد لامني فيها أخٌ ذو قرابةٍ ... حبيبٌ إليهِ في نصيحتهِ رشدي
فقالَ أفقْ حتَّى متى أنتَ هائمٌ ... ببثْنةَ فيها لا تعيدُ ولا تُبدي
فقلتُ له مهما قضى الله ما ترى ... علينا وهل مما قضى الله من ردِّ
فأنْ يكُ رشداً حبُّها أو غوايةٌ ... فقد جئتهُ ما كان مني على عمدِ
بثينُ أثيبي بالمودَّةِ أو ردِّي ... فؤادي فقد تجزى المودَّةَ بالودِّ
أفي النَّاسِ أمثالي أحبُّوا فحبُّهمْ ... كحبِّيَ أم أحببتُ من بينهمْ وحدي
فلمْ أرى مثلَ النَّاسِ لم يغلبوا الهوى ... ولم أرَ داءً كالهوى كيفَ لا يعدي
أكانَ كذا يلقى المحبُّونَ قبلنا ... بما وجدوا أو لم يجدْ أحدٌ وجدي
فقد جدَّ ميثاقُ الإلهِ بحبِّها ... وما للذي لا يتَّقي الله من عهدِ
فلا وأبيها الخيرِ ما خنتُ عهدها ... ولا ليَ علمٌ بالذي فعلتْ بعدي
وما زادها الواشونَ إلاّ كرامةً ... عليَّ وما زالتْ مودَّتها عندي
نزيدُ نماءً كلَّ يومٍ وليلةٍ ... وأمنحها فيما أسرُّ وما أبدي
إذا صقبتْ زدتُ اشتياقاً وإنْ نأتْ ... أرِقتُ لبينِ الدَّارِ منها وللبعدِ
أبى القلبُ إلاّ حبِّ بثنةَ لم يردْ ... سواها وحبُّ القلبِ بثنةَ لا يجدي
سبتكَ بمصقولٍ ترفُّ أشورهُ ... إذا ابتسمتْ في طيبِ ريحٍ وفي بردِ
كأنَّ عتيقَ الرَّاحِ خالطَ ريقها ... وصفوَ غريضِ المزنِ صفِّقَ بالشَّهْدِ
تأرّجُ بالمسكِ الأحمِّ ثيابها ... إذا عرقتْ فيها وبالعنبرِ الوردِ
وقال جميل أيضاً:
حلَّتْ بثينةُ من قلبي بمنزلةٍ ... بينَ الجوانحِ لم ينزلْ بها أحدُ
صادتْ فؤادي بعينيها ومبتسمٍ ... كأنَّهُ حينَ أبدتهُ لنا بردُ
عذبٍ كأنَّ ذكيَّ المسكِ خالطهُ ... والزَّنجبيلُ وماُ المزنِ والشُّهدُ
وجيدِ أدماءَ تحنوهُ إلى رشإٍ ... أغنَّ لم يتَّبعها مثلهُ ولدُ
رجراجةٌ رخصةُ الأطرافِ ناعمةٌ ... يكادُ من بدنها في البيتِ ينخضدُ
خذْلٌ مخلخلها وعثٌ مؤزَّرها ... هيفاءُ لم يغذها بؤسٌ ولا ومدُ
هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً ... تمَّتْ فليس يرى في خلقها أودُ
نعمَ لحافُ الفتى المقرورِ يجعلها ... شعارهُ حينَ يُخشى القرُّ والصّردُ
وما يضرُّ امرأً يمسي وأنتِ له ... أن لا يكونَ من الدُّنيا له سبدُ
يا ليتنا والمنى ليستْ مقرِّبةً ... أنَّا لقيناكِ والأحراسُ قد رقدوا
فيستفيقَ محبٌّ قد أضرَّ به ... شوقٌ إليكَ ويشفى قلبهُ الكمدُ
تلْكمْ بتينةُ قد شفَّتْ مودَّتها ... قلبي فلم يبقَ إلاّ الرُّوحُ والجسدُ
وعاذلونَ لَحوني في مودَّتها ... يا ليتهمْ وجدوا مثلَ الذي أجدُ
لمّا أطالوا عتابي فيكِ قلتُ لهمْ ... لا تفرطوا بعضِ هذا اللَّومِ واقتصدوا
قد مات قبلي أخو نهدٍ وصاحبهُ ... مرقِّشٌ واشتفى من عروةَ الكمدُ
وكلُّهمْ كان من عشقٍ منيَّتهُ ... وقد وجدتُ بها فوقَ الذي وجدوا
إنّي لأرهبُ أو قد كدتُ أعلمه ... أنْ سوفَ توردني الحوضَ الذي وردوا
وقال جميل أيضاً:
طربتُ وهاجَ الشَّوقُ منّي وربَّما ... طربتُ فأبكاني الحمامُ الهواتفُ
وأصبحتُ قد ضمَّنتُ قلبي حزازةً ... وفي الصَّدرِ بَلبالٌ تليدٌ وطارفُ
وأصبحتُ أكمي النَّاسَ أسرارَ حبِّها ... وللحبِّ أعداءٌ كثيرٌ وقارفُ