يجودُ ويُعطي المالَ من غيرِ ضنَّةٍ ... ويضربُ أنفَ الأبلخِ المتغشّمِ
يحلُّ بأوعارٍ وسهلٍ بيوتهُ ... لمنْ نابهُ من مستجيرٍ ومُعدمِ
محلاًّ كوعساءِ القنافذِ ضارباً ... به كنفاً كالمخدرِ المتأجّمِ
بجنبِ حبَّيٍّ ليلتينِ كأنما ... يفرِّطُ نحساً أو يفيضُ بأسهمِ
يجلجلُها طورينِ ثمَّ يفيضُها ... كما أُرسلتْ مخشوبةٌ لم تقوّمِ
تمتَّعنَ من ذاتِ الشُّقوقِ بشربةٍ ... ووازنَّ من أعلى جفافَ بمخرمِ
صبحنَ بني عبسٍ وأفناءَ عامرٍ ... بصادقةٍ جودٍ من الماءِ والدَّمِ
لحينهمُ لحيَ العصا فطردنهمْ ... إلى سنةٍ جرذانُها لم تحلّمِ
بأرعنَ مثلَ الطَّودِ غيرِ أشابةٍ ... تفاخرُ أُولاهمْ ولم يتصرّمِ
ويخلجْنهمْ من كلّ صمدٍ ورجلةٍ ... وكلّ غبيطٍ بالمغيرةِ مفعمِ
فأعقبَ خيراً كلُّ أهوجَ مهرجٍ ... وكلّ مفدّاةِ العلالةِ صلدمِ
لعمركَ إنَّا والأحاليفُ هؤلاءِ ... لفي حقبةٍ أظفارها لم تقلّمِ
فإنْ كنتَ لا تدعو إلى غيرِ نافعٍ ... فدعْني وأكرمْ ما بدا لكَ واذأمِ
فعندي قروضُ الخيرِ والشّرِّ كلّهِ ... فبؤسى لدى بؤسى ونُعمى بأنعمِ
فما أنا إلاّ مستعدٌّ كما أرى ... أخر شركيِّ الوردِ غيرُ معتّمِ
هجاؤكَ إلاّ أنَّ ما كانَ قد مضى ... عليَّ كأثوابِ الحرامِ المهينمِ
ومستعجبٍ ممَّا يرى من أناتِنا ... ولو زبنَتهُ الحربُ لم يترمرمِ
فإنَّا وجدْنا العِرضَ أفقرَ ساعةً ... إلى اللَّونِ من ريطٍ يمانٍ مسهّمِ
أرى حربَ أقوامٍ تدقّ وحربُنا ... تجلُّ فنعروري بها كلَّ معظمِ
ترى الأرضَ منَّا بالفضاءِ عريضةً ... معضِّلةً منَّا بجمعٍ عرمرمِ
وإنْ مقرمٌ منَّا ذرا حدُّ نابهِ ... تمخَّطَ فينا نابُ أخرَ مقدمِ
لنا مرجمٌ ننفي به عن بلادِنا ... وكلُّ تميمٍ يرجمونَ بمرجمِ
أُسيّدُ أبناءٌ له قد تتابعوا ... نجومُ سماءٍ من تميمٍ بمعلمِ
تركتُ الخبيثَ لم أشاركْ ولم أذقْ ... ولكنْ أعفَّ اللهُ مالي ومطعمي
فقوْمي وأعدائي يظنُّونَ أنَّني ... متى يُحدثوا أمثالها أتكلّمِ
رأتني معدٌّ معلماً فتناذرتْ ... مبادهتي أمشي برايةِ معلمِ
فتنهى ذوي الأحلامِ عنِّي حلومهمْ ... وأرفعُ صوتي للنَّعامِ المصلّمِ
وإنْ هزَّ أقوامٌ إليَّ وحدّدوا ... كسوتهمُ من حبرِ بزٍّ متحّمِ
يخيَّل في الأعناقِ منَّا خزايةٌ ... أوابدُها تهوي إلى كلّ موسمِ
وقد رامَ يجري بعد ذلكَ طامياً ... من الشُّعراءِ كلُّ عودٍ ومقحمِ
ففاءوا ولوْ أسْطوا على أمّ بعضِهم ... أصاخَ فلمْ ينصتْ ولم يتكلّمِ
على حين أنْ تمَّ الذَّكاءُ وأدركتْ ... قريحةُ حسْيٍ من شريحٍ مغمّمِ
بنيٍّ ومالي دون عِرضي مسلّمٌ ... وقولي كوقعِ المشرفيِّ المصمّمِ
وقال بشر بن أبي خازم بن عوف حميري بن ناشرة بن أسامة بن والبة بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد مفضلية:
أحقٌّ ما رأيتَ أمِ احتلامُ ... أمِ الأهوالُ إذ صحبي نيامُ
ألا ظعنتْ لنيَّتها إدامُ ... وكلُّ وصالِ غانيةٍ رمامُ
جددتَ بحبِّها وهزلتَ حتَّى ... كبرتَ وقيلَ إنَّك مستهامُ
وقدْ تغنى بها حيناً وتعنى ... بها والدَّهرُ ليس لهُ دوامُ
لياليَ تسبيكَ بذي غروبٍ ... كأنَّ رضابهُ وهناً مدامُ
وأبلجَ مشرقِ الخدَّينِ فخمٍ ... يُسنُّ على مراغمهِ القسامُ
تعرُّضَ جأبةِ المِدرى خذولٍ ... بصاحةَ في أسرَّتها السَّلامُ
وصاحبُها غضيضُ الطَّرفِ أحوى ... يضوغُ فؤادَها منهُ بغامُ
وخرقٍ تعزفُ الجنانُ فيهِ ... فيافيهِ تخرُّ بها السِّهامُ
ذعرتُ ظباءهُ متغوِّراتٍ ... إذا ادَّرعتْ لوامعها الإكامُ
بذعلبةٍ براها النَّصُّ حتَّى ... بلغتُ نُضارها وفنِي السَّنامُ
كأخنسَ ناشطٍ باتتْ عليهِ ... بحربةَ ليلةٌ فيها جهامُ
فباتَ يقولُ أصبحْ ليلُ حتَّى ... تجلَّى عن صريمتهِ الظَّلامُ