فأقبلَ لا يرجو التي صعدت بهِ ... ولا نفسهُ إلاّ رجاءً مؤمّلا
فلمَّا نجا منْ ذلك الكربِ لم يزلْ ... يمظِّعها ماءَ اللّحاءِ لتذبلا
فأنحى عليها ذاتَ حدٍّ دعا لها ... رفيقاً بأخذٍ بالمداوسِ صيقلا
على فخذيهِ من برايةِ عودِها ... شبيهُ سفى البُهمى إذا ما تفتّلا
فجرَّدها صفراءَ لا الطّولُ عابَها ... ولا قصرٌ أزرى بها فتعطّلا
كتومٌ طلاعُ الكفِّ لا دون ملئِها ... ولا عجسُها عن موضعِ الكفِّ أفضلا
إذا ما تعاطوْها سمعتَ لصوتِها ... إذا أنبضوا عنها نئيماً وأزملا
وإنْ شدَّ فيها النَّزعُ أدبرَ سهمُها ... إلى منتهًى من عجسِها ثمَّ أقبلا
فلمَّا قضى مما يريدُ قضاءهُ ... وصلَّبها حرصاً عليها فأطولا
وحشوَ جفيرٍ من فروعٍ غرائبٍ ... تنطَّعَ فيها صانعٌ وتنبّلا
تخيّرنَ أنضاءٌ وركّبنَ أنصلاً ... كجمرِ الغضا في يومِ ريحٍ تزيّلا
فلمَّا قضى في الصُّنعِ منهنَّ فهمهُ ... فلم يبقَ إلاّ أنْ تسنَّ وتصقلا
كساهنَّ من ريشٍ يمانٍ ظواهراً ... سخاماً لُؤاماً ليِّن المسِّ أطحلا
تخرنَ إذا أُنفزنَ في ساقطِ النَّدى ... وإنْ كانَ يوماً ذا أهاضيبَ مخضلا
خوارَ المطافيلِ الملمّعةِ الشَّوى ... وأطلاءها صادفنَ عرنانَ مبقلا
فذاكَ عتادي في الحروبِ إذا التظتْ ... وأردفَ بأسٌ من حروبٍ وأعجلا
وذلكَ من جمعي وباللهِ نلتهُ ... وإن تلقَني الأعداءُ لا ألْق أعزلا
وقومي خيارٌ من أُسيّدَ شجعةٌ ... كرامٌ إذا ما الموتُ خبّ وهرولا
ترى النَّاشئَ المجهولَ منَّا كسيّدٍ ... تبحبحَ في أعراضهِ وتأثّلا
وقدْ علموا أنْ من يُرد ذاك منهمُ ... من الأمرِ يركبْ من عِناني مسحلا
فإنِّي رأيتُ النَّاسَ إلاّ أقلّهمْ ... خفافَ العقولِ يُكثرونَ التنقّلا
بني أُمِّ ذ المالِ الكثيرِ يرونهُ ... وإن كانَ عبداً سيّدَ الأمرِ جحفلا
وهمْ لمقلّ المالِ أولادُ علّةٍ ... وإنْ كانَ محضاً في العمومة مُخولا
وليسَ أخوكَ الدائمُ العهدِ بالذي ... يذمّك إنْ ولَّى ويُرضيكَ مقبلا
ولكنْ أخوكَ النَّائي ما دمتَ آمناً ... وصاحبك الأدْنى إذا الأمرُ أعضلا
وقال أيضاً:
تنكَّرَ بعدي من أميمةَ صائفُ ... فبركٌ فأعلى تولبٍ فالمخالفُ
فقوٌّ فرَهبى فالسَّليلُ فعاذبٌ ... مطافيلُ عوذِ الوحش فيه عواطفُ
فبطنُ السليِّ فالسِّخالُ تعذَّرتْ ... فمعقلةٌ إلى الطّراةِ فواحفُ
كأنَّ جديدَ الدَّارِ يُبليك عنهمُ ... تقيُّ اليمينِ بعدَ عهدكَ حالفُ
بها العينُ والآرامُ ترعى سِخالها ... فطيمٌ ودانٍ للفطامِ وناصفُ
وقدْ سألتْ عنِّي الوشاةُ فخُبّرتْ ... وقد نُشرتْ منها لديَّ الصَّحائفُ
كعهدكَ لا عهدُ الشَّبابِ يُضلّني ... ولا هرمٌ ممَّن توجّهَ دالفُ
وقد أنتحي للجهلِ يوماً وتنتحي ... ظعائنُ لهوٍ ودُّهنَّ مساعفُ
نواعمُ ما يضحكنَ إلاّ تبسّماً ... إلى اللَّهوِ قد مالتْ بهنَّ السَّوالفُ
وأدماءَ مثلِ الفحلِ يوماً عرضتُها ... لرحلي وفيها جرأةٌ وتقاذفُ
فإنْ يهوَ أقوامٌ ردايَ فإنَّما ... يقيني الإلهُ ما وقَى وأصادفُ
وعنسٍ أمونٍ قد تعلَّلتُ متنها ... على صفةٍ أو لم يصفْ لي واصفُ
كُميتٍ عصاها النَّقرُ صادقةِ السُّرى ... إذا قيلَ للحيران أينَ تخالفُ
علاةٍ كنازِ اللَّحمِ ما بينَ خفِّها ... وبينَ مقيلِ الرَّحلِ هولٌ نفانفُ
علاةٍ من النّوقِ المراسيلِ وهمةٍ ... نجاةٍ علتْها كبرةٌ فهي شارفُ
جماليّةٍ للرَّحلِ فيها مقدَّمٌ ... أمونٍ وملقًى للزَّميلِ ورادفُ
يشيِّعها في كلِّ هضبٍ ورملةٍ ... قوائمُ عوجٌ مجمراتٌ مقاذفُ
توائمُ أُلاّفٌ توالٍ لواحقٌ ... سواهٍ لواهٍ مربداتٌ خوانفُ
يزلّ قتودُ الرَّحلِ عن دأَياتها ... كما زلَّ عن رأس الشَّجيجِ المجارفُ
إذا ما ركابُ القومِ زيّل بينَها ... سُرى الليلِ منها مستكينٌ وصارفُ