وقالوا تبيَّنْ هلْ ترى بينَ واسطٍ ... ونهْي أكفٍّ صارخاً أعجَما
فألحقنَ أقواماً لئاماً بأصلِهمْ ... وشيَّدنَ أحساباً وفاجأنَ مغنَما
وأنجينَ منْ أبقينَ منَّا بخطَّةٍ ... من العذرِ لمْ يدنسْ وإنْ كانَ مُؤلما
أبى لابنِ سلمى أنَّهُ غيرَ خالدٍ ... مُلاقي المنايا أيَّ صرفٍ تيمَّما
فلستُ بمُبتاعِ الحياةِ بذلَّةٍ ... ولا مرتقٍ من خشيةِ البينِ سلَّما
ولكنْ خذوني أيَّ يومٍ قدرتمُ ... عليَّ فحزُّوا الرَّأسَ أنْ أتكلَّما
بآيةِ أنِّي قد فجعتُ بفارسٍ ... إذا عرَّدَ الأقوامُ أقدمَ مُعلما
وقال عبيد بن الأبرص بن عوف بن جشم بن عامر بن مرّ بن مالك بن الحارث ابن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة:
أمنْ منزلٍ عافٍ ومنْ رسمِ أطلالِ ... بكيتُ وهلْ يبكي منَ الشَّوقِ أمثالي
ديارهمُ إذ همُ جميعٌ فأصبحتْ ... بسابسَ إلاّ الوحشُ في البلدِ الخالي
فإنْ تكُ غبراءُ الجُنينةِ أصبحتْ ... خلتْ منهمُ واستبدلتْ غيرَ أبدالِ
بما قدْ أرى الحيَّ الجميعَ بغبطةٍ ... بها واللَّيالي لا تدومُ على حالِ
قليلاً بها الأصواتُ إلاّ عوارفاً ... وإلاّ عراراً منْ غياهبِ آجالِ
أبعدَ بني عمِّي ورهطي وأخوَتي ... أُرجِّي ليانَ العيشِ ضلاًّ بتضْلالِ
فلستُ وإنْ أضحَوا مضَوا لسبيلهمْ ... بناسيهمْ طولَ الحياةِ ولا سالِ
ألا تقفانِ اليومَ قبلَ تفرُّقٍ ... ونأيٍ بعيدٍ واختلافٍ وأشغالِ
إلى ظُعنٍ يسلكنَ بينَ تبالةٍ ... وبينَ أعالي الخَلّ لاحقةَ التَّالي
فلمَّا رأيتُ الحادِيينِ تكشَّما ... ندمتُ على أنْ يذهبَا ناعِمي بالِ
رفعْنا عليهنَّ السِّياط فقلّصتْ ... بنا كلُّ فتلاءِ الذِّراعينِ مرقالِ
خلوجٌ برجْليها كأنَّ فروجَها ... فيافي سهوبٍ حينَ يُحتثُّ في الآلِ
فألحقْنا بالقومِ كلُّ دِفِقَّةٍ ... مصدَّرةٍ بالرَّحلِ وجناءَ شمْلالِ
فأُبنا ونازعنَ الحديثَ أوانساً ... عليهنَّ جيشانيَّةٌ ذاتُ أغيالِ
فملنَ إلينا بالسَّوالفِ وانتحى ... بنا القولُ فيما يشتَهي المرحُ الخالي
كأنَّ صباً جاءتْ بريحِ لطيمةٍ ... من المسكِ لا تُسطاعُ بالثَّمنِ الغالي
وريحِ الخُزامى في مذانبِ روضةٍ ... جَلا دِمنها سارٍ من المزنِ هطَّالِ
وقال عبيد أيضاً:
تغيَّرتِ الدّيارُ بذي الدَّفينِ ... فأوديةُ اللِّوى فرِمالُ لينِ
فخرْجا ذروةٍ فلِوى ذَيالٍ ... يعفِّي أيهُ مرُّ السَّنينِ
تبيَّنَ صاحبي أترى حُمولاً ... يشبَّهُ سيرُها عومَ السَّفينِ
جعلنَ الفجَّ منْ رككٍ شمالاً ... ونكَّبنَ الطَّويَّ عن اليمينِ
ألا عتبتْ عليَّ اليومَ عِرسي ... وقدْ هبَّتْ بليلٍ تشتَكيني
فقالتْ لي كبرتَ فقلتُ حقّاً ... لقدْ أخلفتُ حيناً بعدَ حينِ
تُريني آيةَ الإعراضِ عنها ... وقطَّتْ في المقالةِ بعدَ لينِ
وحطَّتْ حاجبيْها أنْ رأتْني ... كبرتُ وأنْ قدِ ابيضَّتْ قُروني
فقلتُ لها رُويدكِ بعضَ عتْبي ... فإنِّي لا أرى أنْ تزْدهيني
وعِيشي بالذي يُغنيكِ حتَّى ... إذا ما شئتُ أنْ تنأي فبيني
فإنْ يكُ فاتني أسفاً شبابي ... وأمسى الرَّأسُ منِّي كاللّجينِ
وكانَ اللهوُ حالفني زماناً ... فأضحى اليومَ منقطعُ القرينِ
فقدْ ألجُ الخباءَ على العذارَى ... كأنَّ عيونهنَّ عيونُ عينِ
يملنَ عليَّ بالأقربِ طوراً ... وبالأجيادِ كالرَّيطِ المصونِ
وأسمرَ قدْ نصبتُ لذي سناءٍ ... يرى منِّي مخالطةَ اليقينِ
يحاولُ أنْ يقومُ وقدْ مضتهُ ... مغابنةٌ بذي خرصٍ قتينِ
إذا ما عادهُ منَّا نساءٌ ... سفحنَ الدَّمعَ من بعدِ الرَّنينِ
وخرقٍ قدْ دعوتُ الجونَ فيهِ ... على أدماءَ كالعيرِ الشَّنونِ
وقال عبيد أيضاً:
يا ذا المخوّفنا بقت ... ل أبيهِ إذلالاً وحينا
أزعمتَ أنَّكَ قدْ قتلْ ... تَ سراتَنا كذباً ومينا