فيا ربَّ باكٍ قدْ بكى شجوَ غيرهِ ... وذي طربٍ لمْ يطربِ النَّفسَ مطرَبا
بلى قدْ تراها ناهِدَ الثَّديِ قدّها ... يجاوزُ مَخْطاها الطِّرافَ المحجَّبا
لياليَ تُبدي للمفنِّن منظراً ... إذا هيَ أبدتْ طرفَها العينُ أصْحبا
جبيناً وخدّاً واضحاً وكأنَّما ... شرتْ مُقلتيها شادناً متربِّبا
ألا أبلِغا عنِّي الهُمامَ محمَّداً ... فهلْ مُبتغي عُتباكَ راحَ ليُعتبا
لعلَّكَ تنسى مِنْ عياضٍ بلاءهُ ... زمانَ تُسامي بابنِ مروانَ مُصعبا
وكنتُ إذا لاقيتهمْ عندَ كُربةٍ ... جمعتَ لها الأمَّ الكريمةَ والأبا
لياليَ لا ترضى نضالَ كتيبةٍ ... ولا طعنُها حتَّى يشُدُّ فيضرِبا
إذا ما رأى الخرساءَ يبرقُ بيضُها ... بَلا السَّيفَ فيها والسِّنانَ المذرَّبا
فلمَّا أصابَ اللهُ بالملكِ أهلهُ ... وأُعطِيتَ سُلطاناً منَ الملكِ أغلبا
ودرَّتْ لكَ الدُّنيا جعلتَ عطاءهُ ... أداهمَ في سجنٍ وباباً مضبَّبا
فهمْ بعدَها مَنْ يولِكَ الخيرَ يزدجرْ ... سنيحاً منَ العفرِ البوارحِ أعضبا
فلوْ شاءَ لمْ يُنقضْ لهُ طيُّ حبوةٍ ... عياضٌ ولمْ يُرزأ نضيّاً مركَّبا
أتانيَ عنْ مولاكَ ذاكَ ابنِ محرزٍ ... على حين قالُوا سادَ ذاكَ وأترَبا
وعنْ قومهِ الأدنينِ دُخلانُ قومهمْ ... بأمرٍ جليٍّ قدْ أهمَّ وأنصبا
فلوْ كانَ مولَى مثلِها يابنَ مُحرزٍ ... لألفيتهُ رِدْءاً وراءكَ مِشغبا
قليلَ هجودِ اللَّيلِ ما دمتَ مُوثقاً ... مُشيحاً إليها ذا مخارجَ قلَّبا
لهُ أُسرةٌ إنْ خفتَ ضيماً رأيتهُ ... رأى الحقَّ أنْ يحمي حِماكَ ويحْدَبا
وذلكَ منْ عوفِ بنِ كعبٍ سجيَّةٌ ... على ما مضَى من درِّهمْ وتقلَّبا
فذو الرَّأيِ منَّا مستفادٌ لرأيهِ ... وشاهدُنا يَقضي على مَنْ تغيَّبا
إذا غضبَ المولَى لهمْ غضبَ الحصَى ... فلمْ ترَ أثْرى منْ حصاهمْ وأصلَبا
ومنْ يتفقَّدْ منِّيَ الظَّلعُ يلقَني ... إذا ما التقيْنَا ظالعَ الرِّجلِ أشْيَبا
وما الظَّلعُ إنْ شاءَ المليكُ بمُقعِدي ... ولا رائضٌ منِّي لذي الضِّغنِ مركَبَا
أبى ليَ أنِّي لا أُعيِّرُ والداً ... لئيماً ولمْ يُذممْ فَعالي فأقْصَبا
ولمْ تُضربِ الأرضُ العريضُ فرُوجُها ... عليَّ بأسدادٍ إذا رمتُ مذْهَبا
وهُلكُ الفتى أنْ لا يراحَ إلى النَّدى ... وأنْ لا يرَى شيئاً عجيباً فيعْجَبا
وقال أبو قردودة الطائيّ يمدح المنذر جدّ النّعمان بن المنذر:
كَبيشةُ عِرسي تمنَّى الطَّلاقا ... وتسألُني بعدَ هدءٍ فِراقا
وقامتْ تُريكَ غداةَ الرَّحي ... لِ كشحاً لطيفاً وفخذاً وساقا
ومُنسدلاً كمثانِي الحِبا ... لِ توسِعُهُ زنبقاً أوْ خِلاقا
وعذْب المذاقةِ كالأُقحوا ... نِ جادَ عليهِ الرَّبيعُ البِراقا
تُسائلُني طَلَّتي هلْ لَقي ... تَ قابوسَ فيما أتيتَ العِراقا
فقلتُ لها قدْ لَقيتُ الهُما ... مَ منطلقاً بالخميسِ انْطِلاقا
يقودُ الجيادَ لأرضِ العدوِّ ... فقدْ آضتِ الخيلُ شعثاً دِقاقا
سراعيفُ قدْ عُطِّلتْ هدَّجاً ... أمامَ الرِّفاقِ يَقدنَ الرِّفاقا
شماطيطَ يمزعنَ مزعَ الظِّبا ... ءِ لمْ يتركنَ ببطنٍ عَقاقا
فحيَّيتُهُ إذْ رأيتُ الجمُوعَ ... تُعارضهُ باليمينِ الوَراقا
عظامِ المناكبِ والسَّاعدَيْ ... نِ تنفرقُ الخيلُ عنهُ انْفِراقا
وقالَ لهُ اللهُ أعطِ وهبْ ... وباعَ لهُ المجدُ بيعاً صِفاقا
وما أسدٌ مِنْ أُسودِ العَري ... نِ يعتنقُ السَّائلينَ اعْتِناقا
بأجرَأَ منهُ على بهمةٍ ... وأقدمَ منهُ صِراحاً صِداقا
وما البحرُ تطمُو قواميسُهُ ... بأنفقَ منهُ لمالٍ نِفاقا
أصاحِ ترَى البرقَ لمْ تغتمضْ ... طوارقُهُ يأتلقنَ ائْتِلاقا
يُضيءُ حبيّاً دَنا بركُهُ ... يُقيمُ فُواقاً ويَسري فُواقا
سقَى وارداتٍ فهضبَ الرِّدا ... هِ فانعقَّ فوقَ الغَبيطِ انْعِقاقا