كأنَّ لم يجد بؤساً ولا جوعَ ليلةٍ ... وفي الخيرِ والمعروفِ للضُّرِّ كاشفُ

يبيتُ عن الجيرانِ معزبُ جهلهِ ... مريح حواشي الحلم للخير واصفُ

إذا القومُ هشُّوا للطِّعانِ وأشرعوا ... صدورَ القنا منها مزجٍّ وخاطفُ

مضى قدماً ينمي الحياةَ عناؤهُ ... ويدعو الوفاةَ الخلد ثبتٌ مواقفُ

هو الطاعنُ النَّجلاءَ منفذُ نصلِها ... كمبدئها منها مرشٌّ وواكفُ

وما كان مما نالَ فيها كلالةً ... ولا خارجّاً أنفذتهُ التَّكالفُ

وقال هدبة أيضاً:

ألا علِّلاني والمعلِّلُ أروحُ ... وينطقُ ما شاءَ اللِّسانُ المسرَّحُ

بأجَّانةٍ لو أنَّها خرَّ بازلٌ ... منَ البختِ فيها ظلَّ للشِّقِّ يسبحُ

وقاقزَّةٍ تجري على متنِ صفوةٍ ... تمرُّ لنا مرّاً سنيحاً وتبرحُ

رفعتُ بها كفِّي ونادَمني بها ... أغرُّ كصدرِ الهُندوانيِّ شرمحُ

متى يرَ منِّي نبوةً لا يُشدْ بها ... وما يرَ منْ أخلاقيَ الصِّدقَ يفرحُ

أغادٍ عدوّاً أنتَ أمْ متروِّحُ ... لعلَّ الأنى حتَّى غدٍ هوَ أروحُ

لعلَّ الذي حاولتَه في تئِيَّةٍ ... يواتيكَ والأمرَ الذي خفتَ ينزحُ

وللدَّهرِ في أهلِ الفتى وتلادهِ ... نصيبٌ كقسمِ اللَّحمِ أو هوَ أبرحُ

وحبَّ إلى الإنسانِ ما طالَ عمرهُ ... وإن كانَ يشقى في الحياةِ ويقبحُ

تغرُّهمُ الدُّنيا وتأميلُ عيشِها ... ألا إنَّما الدُّنيا غرورٌ مترِّحُ

وآخرُ ما شيءٍ يعولكَ والذي ... تقادمَ تنساهُ وإنْ كانَ يفرحُ

ويومٍ منَ الشِّعرى تظلُّ ظباؤهُ ... بسوقِ العضاهِ عوَّذاً ما تبرَّحُ

شديدِ اللَّظى حامي الوديقةِ ريحهُ ... أشدُّ لظًى منْ شمسهِ حينَ يصمحُ

تنصَّبَ حتَّى قلَّصَ الظِّلُّ بعدما ... تطاولَ حتَّى كادَ في الأرضِ يمصحُ

أزيزَ المطايا ثمَّ قلتُ لصُحبتي ... ولمْ ينزِلوا أبردتمُ فتروَّحوا

فراحوا سراعاً ثمَّ أمسَوا فأدلجوا ... فهيهاتَ من ممساهمُ حيثُ أصبحوا

وخرقٍ كأنَّ الرَّيطَ تخفقُ فوقهُ ... مع الشَّمسِ لا بلْ قبلَها يتضحضحُ

على حين يُثني القومُ خيراً على السُّرى ... ويظهرُ معروفٌ منَ الصُّبحِ أفصحُ

نفى الطَّيرَ عنهُ والأنيسَ فما يُرى ... به شبحٌ ولا منَ الطَّيرِ أجنحُ

قطعتُ بمرجاعٍ يكونُ جنينُها ... دماً قطعاً في بولها حينَ تلقحُ

يداها يدا نوّاحةٍ مستعانةٍ ... على بعلِها غيرَى فقامتْ تنوَّحُ

تجودُ يداها فضلَ ما ضنَّ دمعُها ... عليهِ فتاراتٍ ترنُّ وتصدحُ

لها مقلتا غيرَى أُتيحَ لبعلِها ... إلى صهرِها صهرٌ سنيٌّ ومنكحُ

فلمَّا أتاها ما تلبَّسَ بعدها ... بصاحبَها كادتْ منَ الوجدِ تنبحُ

فقامتْ قذورَ النَّفسِ ذاتَ شكيمةٍ ... لها قدمٌ في قومِها وتبحبحُ

يخفِّضها جاراتُها وهيَ طامحُ ... الفؤادِ وعيناها من الشَّرِّ أطمحُ

فدعْ ذا ولكنْ هلْ ترى ضوءَ بارقٍ ... قعدتُ لهُ من آخرِ اللَّيلِ يلمحُ

يضيءُ صبيراً منْ سحابٍ كأنَّه ... جبالٌ علاها الثَّلجُ أوْ هو أوضحُ

فلمَّا تلافتهُ الصَّبا قرقرتْ بهِ ... وألقى بأرواقٍ عزاليهِ تسفحُ

طوالٌ ذراهُ في البحورِ كأنَّه ... إذا سارَ مجذوذُ القوائمِ مكبحُ

سقى أمَّ عمرٍو والسَّلامُ تحيَّةٌ ... لها منكَ والنَّائي يودُّ وينصحُ

سجالٌ يسحُّ الماءُ حتَّى تهالكتْ ... بطونُ روابيهِ منَ الماءِ دلَّحُ

أجشُّ إذا حنَّتْ تواليهِ أرزمتْ ... مطافيلهُ تلقاءَ ما كادَ يرشحُ

فلم يبقَ ممَّا بينَنا غيرَ أنَّني ... محبٌّ وأنِّي إنْ نأتْ سوفَ أمدحُ

وإنَّ حراماً كلُّ مالٍ منعتهُ ... تريدينهُ ممَّا نريحُ ونسرحُ

وعهدي بها والحيُّ يدعونَ غرَّةً ... لها أنْ يراها النَّاظرُ المتصفحُ

منَ الخفراتِ البيضِ تحسبُ أنَّها ... إذا حاولتْ مشياً نزيفٌ مرنحُ

وفيما مضَى منْ سالفِ الدَّهرِ للفتى ... بلاءٌ وفيما بعدهُ متمنَّحُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015