كلاّ لقدْ شرِقَتْ قناةٌ هزَّها ... في كلِّ مَنْبِضِ غائبٍ وطِحالِ

وقال أبو حيّة:

ألا حَيِّ أطلالاً بهنَّ دُثورُ ... كأنَّ بقايا عهدِهنَّ سطورُ

مِدادُ يهوديَّيْنِ مَجْمَجهُ البِلى ... وفي الوحيَ من آيِ الكتابِ زَبورُ

ديارُ التي قالتْ لوَ انكَّ زُرتَنا ... وُصِلتَ ولكنْ لا نراكَ تزورُ

فقلتُ عداني أنَّ أهلَكِ ظَنَّةٌ ... عليَّ وأنّي قد علمْتُ شهيرُ

صددْتِ ولَجَّ الهجرُ منكِ وإنّني ... لمثلِكِ عن غيرِ القِلى لهَجورُ

أعَرْتُكِ وُدِّي أمَّ عثمانَ فارجِعي ... ودائعَ لم يبخلْ بهنَّ مُعيرُ

حياءٌ نهى عمّا عهدْتِ منَ الصِّبا ... ويأساً ومَثْلي بالحياءِ جديرُ

ألا حبّذا الماءُ الذي قابلَ النَّقا ... ومُرتَبَعٌ من أهلِنا ومصيرُ

وأيامُنا عامَ الخبِيَّيْنِ إنّني ... لهنَّ على العهدِ القديمِ ذَكورُ

إذِ الرأسُ أحوى حالِكُ اللونِ يرتدي ... جناحَيْهِ إذْ غصنُ الشبابِ نَضيرُ

وقدْ كانَ لي إذ ذاكَ منهنَّ مجلِسٌ ... قريبٌ ومنْ أسرارِهنَّ ضميرُ

فأعرضْنَ إعراضاً هوَ الصُّرْمُ عَينُهُ ... كأنْ لم يكنْ لي عندَهنَّ نَقيرُ

ألا طرقَتْنا أمُّ عثمانَ ليلةً ... مِدرى وقدْ كادَ السِّماكُ يَغورُ

ألمَّتْ بنَشوانَيْ كرىً صرعْتُهما ... بإحدى الفيافي غَرْبةٌ وفُتورُ

بعيدَيْنِ من مَهواهُما أدركَتهما ... وفاةٌ لها تَحليلةٌ فَنُشورُ

أناخا ولا الأرضُ التي يطلبانِها ... قريبٌ ولا ليلُ التِّمامِ قصيرُ

فقلتُ لها حُيِّيتِ من زائرٍ طوى ... مفاوزَ لا يُزجى بهنَّ حَسيرُ

وما خِلتُها كانتْ رَؤُوداً ولا سرَتْ ... إلى الركْبِ مِيلافُ الحِجالِ خَدورُ

أتتْكَ بها تَهويمةٌ غمَّضتْ بها ... معَ الصبحِ عينٌ لا تنامُ سَهورُ

وما أنتَ أمْ ما أمُّ عثمانَ بعدَما ... حبا لكَ من رملِ الغناءِ حَدورُ

عراقيّةٌ لمْ تبدُ يوماً ولم تكنْ ... شَطيرَ النَّوى لكنْ نَواكَ شَطيرُ

نَؤومُ الضحى لم نأْوِ إلاّ وتحتَها ... قَباطِيُّ ريشٍ تحتَهنَّ سريرُ

وبِتنا كأنّنا بَيَّتَتْنا لَطيمةٌ ... أتتْنا بها من سوقِ أبْيَنَ عِيرُ

شَراها بما اقتالوا شَمومٌ لمثلِها ... بشُمّاتِهِ الرِّبْحُ العظيمُ بصيرُ

ولمّا احتواها إحتواها غنيمةً ... مُخاطرُ أرباحِ الألوفِ جَسورُ

تمطَّتْ بهِ غُلْبٌ كأنَّ قُفِيَّها ... بهنَّ وأقْراءُ الأخادعِ قِيرُ

ولمّا أنيختْ بعدَما آبَ قبلَها ... ليومَيْنِ بالغُنْمِ العظيمِ يُشيرُ

تحكَّمَ فيها بالعراقِ كأنّهُ ... على الناسِ طُرّاً بالعراقِ أميرُ

وقيلَ هنيئاً ما رُزقتَ فإنّهُ ... على اللهِ رزّاقِ العبادِ يسيرُ

وما أطلقَ الأعباءَ حتى تضوَّعتْ ... بها سِكَكٌ ممّا لديهِ ودُورُ

وتِيهٍ تخطّتْها صُحبَتي ... نواهزُ في أعناقِهنَّ نُذورُ

رِكابُ نوىً أسآرُ هَمٍّ كأنّها ... جَوازٍ منَ الشِّيزى لهنَّ صَريرُ

طوَتْهُنَّ والبِيدَ الليالي فقدْ ذوتْ ... بطونٌ لها مُقورَّةٌ وظهورُ

وجُرِّدنَ واسْمَهْرَرْنَ حتى كأنّها ... قَناً طارَ عنها باليدَيْنِ شَكيرُ

وبينَ القُوى والرحْلِ منهنَّ وهْمةٌ ... بها وهْيَ حرفٌ جُرأةٌ وضريرُ

تَغالى بها فُتْلٌ مَطاويحٌ ينتحي ... بهنَّ حِذاءٌ بالفلاةِ جَميرُ

وأتْلَعُ نَهّاضٌ أَنِيفٌ يقودُهُ ... مُلَملم جُلمودِ الدماغِ ذَكيرُ

تراها إذا لجَّتْ وقُدّامَ عينِها ... خِشاشٌ وفوقَ الناظرَيْنِ حَريرُ

وفي الحلْقةِ الصُّفْرِ التي خُشمتْ بها ... مُطيرٌ لشَغْبِ الأخدعَيْنِ قَهورُ

كذي رُمَلٍ فرْدٍ رمتْهُ عشيّةٌ ... لها سبَلٌ مُستقبِلٌ وصَبيرُ

بأسحمَ نثّارٍ أجشَّ جرتْ لهُ ... صَباً رادَةٌ لم تجرِ فيهِ دَبورُ

إلى دفءِ أرطاةٍ إلى جَنبِ عجْمةٍ ... بها الشاةُ مَحبورُ المكانِ غَريرُ

لها واكفٌ يجري عليها كأنّهُ ... حصىً شِيفَ خانتْهُ السلوكُ قَشيرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015