نظرْتُ على فَوتٍ وأوفى عشيّةً ... بنا منظرٌ من حِصنِ عمّانَ يافعُ
لأُبصِرَ أحياءً بِخاخٍ تضمَّنتْ ... منازلَهمْ منها التلاعُ الدَّوافعُ
ومن دونِ ما أسمو بطرْفي لأرضِهمْ ... مَعانٌ ومُغبَرٌّ من البيدِ واسعُ
فأبدَتْ كثيراً نظرَتي من صَبابَتي ... وأكثرُ منهُ ما تُجِنُّ الأضالعُ
وللعينِ أسرابٌ تفيضُ كأنّما ... تُعَلُّ بكُحلِ الصابِ منها المدامعُ
لَعمرُ ابنةِ الزيْدِيِّ إنَّ ادِّكارَها ... على كلِّ حالٍ للفؤادِ لرائعُ
وإنّي إليها حيثُ طارَتْ بها النَّوى ... منَ الغَورِ أو جَلْسِ البلادِ لنازعُ
وقدْ ثبتَتْ في القلبِ منكِ مودّةٌ ... كما ثبتَتْ في الراحتَيْنِ الأصابعُ
أهُمُّ لأنسى ذِكرَها فيشُوقُني ... رفاقٌ إلى أهلِ الحجازِ نَوازِعُ
فيا ليتَ أنّا قد تعسَّفتِ المَلا ... بنا قُلُصٌ يَلْحَبْنَ والفجرُ ساطعُ
مَوارِقُ منْ أعتاقِ ليلٍ كأنّها ... قَطاً قارِبٌ ماءَ النُّمَيرةِ ساطعُ
رَوايا تأنِّيها على كلِّ مَنهلٍ ... قليلٌ إذا ما أمكنَتْها المشارعُ
طَوَيْنَ أدواى أحْكَمَ اللهُ صُنعَها ... إذا لم تعالِجْ خَرْزَهُنَّ الصَّوانعُ
بفتوى نحورٍ ما يكَلِّفْنَ مُمسِكاً ... حناجرَها لمّا استقَيْنَ المَقامعُ
بُغِثْنَ بها زغباً برأسِ مفازةٍ ... تَضمنَّها منها رُباً وأجارِعُ
مُلبَّدةٌ غُبْراً جُثوماً كأنّها ... أفانِيُّ لولا رُوسُها والأكارِعُ
تَبوَّأْنَ بَيضاً في أفاحيصِ قَفرةٍ ... فهُنَّ بفَيْفاءِ الفلاةِ ودائعُ
وإنّا عَدانا عن بلادٍ نُحبُّها ... إمامٌ طَبانا خَيرُهُ المُتتابعُ
أغَرُّ لمروانٍ وليلى كأنّهُ ... حسامٌ جلَتْ عنهُ الصَّياقلُ قاطعُ
هوَ الفرعُ من عَبدَيْ منافٍ كأنّهُ ... إليهِ انتهَتْ أحسابُهمْ والدَّسائعُ
إذا ما بدا للناظرينَ كأنّهُ ... هلالٌ بدا في ظلمةِ الليلِ طالعُ
فكلُّ غنيٍّ قانعٌ بنَوالِهِ ... وكلُّ عزيزٍ عندَهُ مُتواضعُ
هوَ الموتُ أحياناً يكونُ وإنّهُ ... لغيثُ حَياً يحيا بهِ الناسُ واسعُ
فما أحدٌ يبدو له من حجابِهِ ... فينظرُ إلاّ وهْوَ بالذلِّ خاشعُ
فنحنُ نُرجِّي نفعَهُ ونخافُهُ ... وكِلتاهُما منهُ برِفقٍ نُصانِعُ
لهُ دِسَعٌ فيها حياةٌ وسَورَةٌ ... تُميتُ وحِلمٌ يَفضُلُ الحِلمَ بارعُ
رمى أهلَ نَهرَي بابلٍ إذْ أضلَّهُمْ ... أزْلُّ عُمانيٌّ بهِ الوشمُ راضعُ
بتسعينَ ألفاً كلُّهمْ حينَ يُبتلى ... جميعُ السلاحِ باسلُ النفسِ دارِعُ
منَ الشامِ حتى صبحتهمْ جُموعُهُ ... بأرضِهمْ والمقْرباتُ النزائعُ
فلمّا رأوا أهلَ اليقينِ تخاذلوا ... ورامُوا النجاةَ والمنايا شوارعُ
على ساعةٍ لا عُذرَ فيها لظالمٍ ... ولا لهمُ من سطوةِ اللهِ مانعُ
فظلَّ لهمْ يومٌ بهمْ حلَّ شرُّهُ ... تزولُ لهم فيهِ النجومُ الطوالعُ
يَحُوسُهمُ أهلُ اليقينِ فكلُّهمْ ... يلوذُ حِذارَ الموتِ والموتُ كانعُ
وكم غادرَتْ أسيافُهمْ من مُنافقٍ ... يَمجُّ دماً أوداجُهُ والأخادعُ
قتيلٌ نرى ما لا ينالُ وفاتُهُ ... ولاقى ذميماً موتَهُ وهْوَ خالِعُ
عَوى فاستجابَتْ إذْ عوى لعُوائِهِ ... عبيدٌ لهمْ في كلِّ أمرٍ بدائعُ
وما زالَ ينوي الغَيَّ من نَوْكِ رأيِهِ ... بعمياءَ حتى احْتَرَّ منه المَسامعُ
وحتى استُبيحَ الجَمعُ منهمْ فأصبحوا ... كبعضِ الأُلى كانتْ تصيبُ القوارعُ
فأضحوا بنَهرَيْ بابلٍ ورؤوسُهمْ ... تُجيزُ بها البيدَ المطايا الخواضعُ
فريقانِ مقتولٌ صريعٌ بذَنْبِهِ ... شقيٌّ ومأسورٌ عليهِ الجوامعُ
لَعمري لقدْ ضلَّتْ ودارَتْ عليهمِ ... بما كرهوا تلكَ الأمورُ الفظائعُ
عصائبُ ولّتْكَ ابنَ دَحْمةَ أمرَها ... وذلكَ أمرٌ يا بنَ دَحمةَ ضائعُ
أفالآنَ لمّا بايَعوا لضلالةٍ ... دعَوْتَ فهَلاً قبلَ إذْ لم يُبايِعوا