وعيلَ على الحمولِ ومنْ علْيها ... فلا سيراً يطيقُ ولا حلولا
ونسلكُهمْ مدارجَ بطنِ حرٍّ ... إلى قرنٍ كما سقتَ الحسِيلا
كأنَّ نساءهُمْ بقرٌ مراجٌ ... خلالَ شقائقٍ تطأُ الوحولا
لهنَّ صواعقٌ يعرفنَ فينا ... بني الأخواتِ والنَّسَبَ الدَّخيلا
بكلِ خبيبةٍ ومجازِ عرضٍ ... ترى نمطاً يطوحُ أو خميلا
فلمّا أنْ هبطنا القاعَ ردُّوا ... غواشينا فأدبرْنا جفولا
وقامَ لنا ببطنِ القاعِ صيقٌ ... فخلّى الوازعونَ لنا السّبيلا
فأدرَكنا دعاهُم من بعيدٍ ... نهزُّ البيضَ يشفِين الغليلا
فأيّاً ما رأيتَ نظرتَ طرفاً ... عليهِ الطّيرُ منعفِراً تليلا
فلمّا أنْ رأيتُ القومَ فلّوا ... فلا زنداً قبضتُ ولا فتيلا
حبكتُ ملاءتِي العلْيا كأنّي ... حبكتُ بها قطاميّاً هزيلا
كأنَّ ملاءتَيَّ على هجَّفٍّ ... أحسَّ عشيَّةً ريحاً بليلا
على حتَّ البرايةِ زمخريِّ ... السواعد ينبري رتكاً ذليلاً
وأدبَرَ عائذُ البُقميّ شدّاً ... يكدُّ الصمدَ والحزنَ الرَّجيلا
وغادرْنا وغادرَ موليانا ... بقاعِ أبيدةَ الوغمَ الطّويلا
المختار من شعر عمر بن أبي ربيعة قال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وأمّ عمر مولدة من مولّدات اليمن، اسمها مجد:
أمنْ آل نعمٍ أنتَ غادٍ فمبكِرُ ... غداةَ غدٍ أو رائحٌ فمهجّرُ
بحاجةِ نفسٍ لم تقلْ في جوابها ... فتبلغَ عذراً والمقالةُ تعذرُ
نهيمُ إلى نعمٍ فلا الشَّملُ جامعٌ ... ولا الحبلُ موصولٌ ولا القلبٌ مقصرُ
ولا قربُ نعمٍ إنْ دنتْ لك نافعٌ ... ولا نأيُها يسلِي ولا أنتَ تصبِرُ
وأخرَى أتتْ من دونِ نعمٍ ومثْلها ... نهى ذا النُّهَى لو ترعوِي أو تفَكِّرُ
إذا زرتُ نعماً لم يزلْ ذو قرابةٍ ... لها كلّما لاقيتها يتنمّرُ
عزيزٌ عليهِ أنْ ألمَّ ببيتِها ... مسرُّ ليَ الشّحناءَ للبغضِ مظهِرُ
ألِكني إليْها بالسّلامِ فإنَّه ... يشهَّرُ إلمامي بها وينكَّرُ
على أنّها قالتْ غداةَ لقيتُها ... بمدفعِ أكنانٍ أهذا المشهّرُ
قفي فانظري يا أسمَ هلْ تعرفينَهُ ... أهذا المغيريُّ الذي كانَ يذكرُ
أهذا الّذي أطريتِ نعتاً فلمْ أكدْ ... وعيشكِ أنساهُ إلى يوم أقبَرُ
لئنْ كانَ إيّاهُ لقدْ حالَ بعدَنا ... عن العهدِ والإنسانُ قد يتغيّرُ
فقالتْ نعمْ لا شكَّ غيّرَ لونَهُ ... سُرى اللّيلِ يحيْي نصَّهُ والتَّهجّرُ
رأتْ رجلاً أمّا إذا الشَّمسُ عارضتْ ... فيضحَى وأمّا بالعشيِّ فيحضرُ
أخا سفرٍ جوّابَ أرضٍ تقاذفتْ ... به فلواتٌ فهوَ أشعثُ أغبرُ
قليلٌ على ظهرِ المطيّةِ ظلّهُ ... سوى ما نفى عنهُ الرّداءُ المحَبّرُ
وأعجبَها من عيشِها ظلُّ غرفةٍ ... وريّانُ ملتفُّ الحدائقِ أنضرُ
ووالٍ كفاها كلَّ شيءْ يهمُّها ... فليستْ لشيءْ آخرَ الليلِ تسهَرُ
وليلةِ ذي دوران جشّمني السُّرَى ... وقد يجشمُ الهولَ المحبُّ المغرِّرُ
فبتُّ رقيباً للرّفاقِ على شفا ... أراقبُ منهم من يطوفُ وأنظرُ
إليهمْ متى يستأخذِ النومُ فيهمِ ... ولي مجلسٌ لولا اللُّبانةُ وأوعرُ
وبانتْ قلوصي بالعراءِ ورحلُها ... لطارقِ ليلٍ أو لمنْ جاءَ معورُ
فبتُّ أناجِي النَّفسَ أينَ خباؤُها ... وإنّي لما تأتِي منَ الأمرِ مصدَرُ
فدلَّ عليها القلبَ ريّاً عرفتُها ... لها وهوَى الحبِّ الذي كانَ يظهَرُ
فلمّا فقدتُ الصَّوتَ منهُمْ وأطفئتْ ... مصابيحُ شبَّتْ بالعِشاءِ وأنؤرُ
وغابَ قميْرٌ كنتُ أهوَى غيوبَهُ ... وروّحَ رعيانٌ ونوَّمَ سمَّرُ
ونفّضتُ عنّي النّومَ أقبلتُ مشيةَ ... الحبابِ ولكنّي من القومِ أزورُ
فحيّيتُ إذْ فاجأتُها فتواءلتْ ... وكادتْ بمرفوعِ التّحيّةِ تجهرُ