سيدفعني يوماً إلى ربِّ هجمةٍ ... يدافعُ عنها بالعقوقِ وبالبخلِ

قليلٌ تواليها وطالبُ وترها ... إذا صيحَ فيها بالفوارسِ والرجلِ

إذا ما هبطنا منهلاً في مخوفةٍ ... بعثنا ربيئاً في المرابيءِ كالجذلِ

يقلبُ في الأرضِ الفضاء بطرفهِ ... وهنَّ مناخاتٌ ومرجلنا يغلي

وقال عروة بن الورد:

ألم تعرف منازلَ أمِّ عمرو ... بمنعرجِ النواصفِ من أبانِ

وقفتُ بها ففاضَ الدمعُ مني ... كمنحدرٍ من النظمِ الجمانِ

ولكن لا يلبثُ وصلَ حيٍّ ... وجدةَ وجههِ مرُّ الزمانِ

ومولى قد أثارَ عليَّ حرباً ... وكانت قبلُ واضعةَ الجرانِ

فواكلني وإياها وأغضى ... وجرت حربَ معضلةٍ عوانِ

فكنتُ لزازها حتى تجلت ... ولم أبعث لها أحداً مكاني

ومكروبٍ كشفتُ الكربَ عنهُ ... بضيقةِ مأزقٍ لما دعاني

فقلتُ لهُ أتاكَ أتاكَ فانهض ... وليثٌ حينَ أنهضُ غيرَ وانِ

فلما إن تبرزَ كانَ ذئباً ... نعدُّ وكانَ ذلكَ ما جراني

فما أنا عندَ هيجا كلَّ يومٍ ... بمثلوجِ الفؤادِ ولا جبانِ

يصافيني الكريمُ إذا التقينا ... ويبغضني اللئيمُ إذا رآني

عبيد بن أيوب

وقال عبيد بن أيوب العنبري وهو من اللصوص:

لقد خفتُ حتى لو تمرُّ حمامةٌ ... لقلتُ عدوُّ أو طليعةُ معشرِ

وخفتُ خليلي ذا الصفاءِ ورابني ... وقيلَ فلانٌ أو فلانةُ فاحذرِ

فأصبحتُ كالوحشيِّ يتبعُ ما خلا ... ويتركُ مأنوسَ البلادِ المدعثرِ

إذا قيلَ خيرٌ قلتُ هذي خديعةٌ ... وإن قيلَ شرٌّ قلتُ حقُّ فشمرِ

كتبت هذه القطعة لحسنها ولم تدخل في الأخبار.

وقال أيضاً:

أراني وذئبَ القفرِ خدنينِ بعدما ... تدانا كلانا يشمئزُّ ويذعرُ

إذا ما عوى جاوبتُ سجعَ عوائهِ ... بترنيمٍ محزونٍ يموتُ وينشرُ

تذللتهُ حتى دنا وألفتهُ ... وأمكنني لو أنني كنتُ أغدرُ

ولكنني لم يأتمني صاحبٌ ... فيرتابَ بي ما دامَ لا يتغيرُ

وللهِ درُّ الغولِ أيُّ رفيقةٍ ... لصاحبِ قفرٍ خائفٍ يتقترُ

تغنت بلحنٍ بعدَ لحنٍ وأوقدت ... حواليَّ نيراناً تبوخُ وتزهرُ

أنستُ لها لما بدت وألفتها ... وحتى دنت واللهُ بالغيبِ أبصرُ

فلما رأت ألاَّ أهالَ وأنني ... وقورٌ إذا طار الجنانُ المطيرُ

دنت بعدَ ذاكَ الروعُ حتى ألفتها ... وصافيتها واللهُ بالغيبِ أخبرُ

ألم ترني حالفتُ صفراءَ نبعةً ... ترنُّ إذا ما رعتها وتزمجرُ

تزمجرُ غيري أحرقوها بضرةٍ ... فباتت لها تحتَ الخباءِ تذمرُ

لها فتيةٌ ماضونَ حيثُ رمت بهم ... شرابهمُ غالٍ من الجوفِ أحمرُ

إذا افتقرت راشتهمُ بغناهمُ ... عطاءً لهم حتى صفا ما يكدرُ

ألمَّ خيالٌ من أميمةَ طارقٌ ... وقد تليت من آخرِ الليلِ غبرُ

فيا فرحاً للمدلجِ الزائرِ الذي ... أتاني في ربطاته يتبخترُ

فثرتُ وقلبي مقصدٌ للذي بهِ ... وعينيَّ أحياناً تجمُّ فتغمرُ

إلى ناعجٍ أما أعالي عظامهِ ... فشمٌّ وسفلاها على الأرضِ تمهرُ

فقلتُ لهُ قولاً وحادثتُ شدهُ ... بأعوادٍ ميسٍ نقشهنَّ محبرُ

أيا جملي إن أنتَ زرتَ بلادها ... برحلي وأجلادي فأنتَ محررُ

وهل جملٌ مجتابُ ما حالَ دونها ... من الأرضِ أو ريحٌ تروحُ وتبكرُ

وكيفَ ترجيها وقد حالَ دونها ... من الأرضِ مخشيُّ التنائفِ مذعرُ

وأنتَ طريدٌ مستسرٌّ بقفرةٍ ... مراراً وأحياناً تصبُّ فتظهرُ

فيا ليتَ شعري هل يعودنَّ مربعٌ ... وقيظٌ بأكنافِ الظليفِ ومحضرُ

أقاتلتي بطالةٌ عامريةٌ ... بأردانها مسكٌ ذكيٌّ وعنبرُ

وقال عبيد بن أيوب أيضاً:

كأن لم أقد سبحانكَ اللهُ فتيةً ... لندفعَ ضيماً أو لوصلٍ نواصلهْ

على علسياتٍ كأنَّ هويها ... هويَّ القطا الكدري نشت ثمائلهْ

وفارقتهم والدهرُ موقفُ فرقةٍ ... عواقبهُ دار البلى وأوائلهْ

وأصبحتُ مثلَ السهمِ في قعرِ جعبةٍ ... نضيا فضاً قد طالَ فيها قلاقلهْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015