62- «إنّ من البيان لسحرا» .
وفي «دليل الفالحين» : قال السيوطي في «المرقاة» : هذا الحديث أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على «المصابيح» ، وزعم أنه موضوع.
قلت: قال الحافظ العلائي: نسبة هذا الحديث إلى الوضع جهل قبيح، بل هو حسن؛ كما قال الترمذي، ولا ينتهي إلى الضعف فضلا عن الوضع.
قال الحافظ العسقلاني في ردّه عليه: قد حسّنه الترمذي، وصححه الحاكم.
انتهى كلام «دليل الفالحين» . ملخصا.
ثم قال ابن علان: وبه يعلم ما في قول المصنف- يعني النووي- بإسناد صحيح، إلا أن يريد به المقبول مجازا، فيشمل الحسن، والله أعلم.
62- ( «إنّ من البيان) هو: المنطق الفصيح المعرب عمّا في الضمير. وقال القاضي: البيان: جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة باعتبار المعنى. (لسحرا» ) بفتح لام التوكيد-؛ أي: إنّ من البيان لنوعا يحلّ من العقول والقلوب في التمويه محلّ السّحر، والسّحر- في الأصل-: الصّرف، قال تعالى فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) [المؤمنون] وسمّي السحر سحرا!! لأنه مصروف عن جهته. والساحر بسحره يزيّن الباطل في عين المسحور حتى يراه حقّا، فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفنّنه في البلاغة وترصيف النظم؛ يسلب عقل السامع، ويشغله عن التفكر فيه والتدبّر له؛ حتى يخيّل إليه الباطل حقّا والحقّ باطلا، وهذا معنى قول ابن قتيبة «إن منه ما يقرب البعيد، ويبعد القريب، ويزين الباطل القبيح، ويعظم الصغير؛ فكأنه سحر» .
والقصد النهي عن ذلك كالنهي عن السحر؛ إن كان ذلك البيان لأجل ستر حقّ ونصرة باطل. ويحتمل أنه مدح إن كان زخرفة العبارة لأجل قبول حقّ ونصره؛ فيكون تشبيهه بالسحر من حيث استمالة القلوب فقط، لا في النهي.
وهذا قاله النبيّ صلى الله عليه وسلّم حين قدم وفد تميم وفيهم الزّبرقان وعمرو بن الأهيم فخطبا