ولكن ينظر إلى قلوبكم» .
(ولكن ينظر إلى قلوبكم» ) التي هي محلّ التقوى، وأوعية الجواهر، وكنوز المعرفة؛ أي: إنّما تكون المجازاة على ما في القلب من عظمة الله وخشيته ومراقبته؛ دون الصّور الظّاهرة، فمعنى النظر هنا: الإحسان والرحمة والعطف.
ومعنى نفيه: نفي ذلك، فعبّر عن الكائن عند النظر بالنظر مجازا، وذلك لأن النظر في الشاهد دليل المحبّة، وترك النظر دليل البغض والكراهة، وميل الناس إلى الصّور المعجبة، والله منزّه عن ذلك، فجعل نظره إلى ما هو السرّ واللّبّ؛ وهو القلب.
والجمال قسمان: ظاهري، وباطني؛ كجمال علم وعقل وكرم، وهذا هو محلّ نظر الله من غيره، وموضع محبته؛ فيرى صاحب الجمال الباطني، فيكسوه من الجمال والمهابة والحلاوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصفات؛ فإن المؤمن يعطى حلاوة ومهابة بحسب إيمانه؛ فمن رآه هابه، ومن خالطه أحبّه؛ وإن كان أسود مشوها، وهذا أمر مشهود بالعيان.
قال الغزالي: قد أبان هذا الحديث أن محلّ القلب موضع نظر الرّبّ، فيا عجبا ممن يهتمّ بوجهه الّذي هو محل نظر الخلق؛ فيغسله وينظفه من القذر والدّنس، ويزيّنه بما أمكن لئلا يطّلع فيه مخلوق على عيب، ولا يهتمّ بقلبه الذي هو محلّ نظر الخالق فيطهّره ويزيّنه لئلا يطّلع ربّه على دنس أو غيره فيه. انتهى مناوي على «الجامع الصغير» .
وهذا الحديث رواه مسلم في «صحيحه» في «كتاب الأدب» ؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، ورواه مسلم أيضا في «الأدب» عنه بلفظ: «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» .
ورواه ابن ماجه بمثله عن أبي هريرة في «باب الزهد» بلفظ: «إنما ينظر ...
الخ» .