.........
وبما بحثه صرّح حجّة الإسلام، لكن بزيادة بيان وإحسان، فقال ما محصوله:
ليس للمجتهد أو المقلّد إلّا الحكم بما يقع له أو لمقلّده. ثمّ يقال للورع:
استفت قلبك وإن أفتوك، إذ للإثم حزازات في القلوب، فإذا وجد قابض مال في نفسه شيئا منه؛ فليتّق الله، ولا يترخّص تعلّلا بالفتوى من علماء الظاهر، فإن لفتاويهم قيودا من الضّرورات، وفيها تخمينات واقتحام شبهات، والتّوقي عنها من شيم ذوي الدّين وعادات السالكين لطريق الآخرة. انتهى كلام المناوي.
والحديث المذكور رواه الإمام أحمد ابن حنبل والدارمي في «مسنديهما» بإسناد حسن، ورواه أبو يعلى وأبو نعيم والطبراني مرفوعا؛ كلّهم عن وابصة بن معبد الأسدي رضي الله تعالى عنه قال:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع شيئا من البّر والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: «ادن يا وابصة» . فدنوت منه حتى مسّت ركبتي ركبته، فقال: «يا وابصة؛ أخبرك بما جئت تسأل عنه، أو تسألني عنه؟» قلت: يا رسول الله، أخبرني، قال: «جئت تسأل عن البّر والإثم» . فقلت: نعم، قال: فجمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري؛ ويقول: «يا وابصة؛ استفت نفسك، البّرّ ما اطمأنّت إليه النّفس واطمأنّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردّد في الصدر؛ وإن أفتاك الناس وأفتوك» . قال النووي: حديث حسن.
قال العلّامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: وفي جوابه صلى الله عليه وسلّم لوابصة بهذا إشارة إلى متانة فهمه وقوّة ذكائه وتنوير قلبه؛ لأنّه صلى الله عليه وسلّم أحاله على الإدراك القلبيّ، وعلم أنّه يدرك ذلك من نفسه، إذ لا يدرك ذلك إلّا من هو كذلك.
وأما الغليظ الطبع الضعيف الإدراك! فلا يجاب بذلك، لأنّه لا يتحصّل منه على شيء، وإنما يفصّل له ما يحتاج إليه من الأوامر والنواهي الشرعية.
وهذا من جميل عاداته صلى الله عليه وسلّم مع أصحابه، فإنه صلى الله عليه وسلّم كان يخاطبهم على قدر