كانَ إذا جعلته عبارةً عمَّا مضى من الزمان احتاج إلى خبر، لأنَّه دلَّ على الزمان فقط. تقول: كان زيدٌ عالماً. وإذا جعلته عبارةً عن حدوث الشيء ووقوعه: استغنى عن الخبر، لأنَّه دلَّ على معنًى وزمانٍ. تقول: كانَ الأمرُ، وأنا أعرفه مذْ كانَ، أي مذْ خُلِقَ. قال الشاعر:
فِدًى لبَني ذُهْلٍ بن شَيْبانَ ناقَتي ... إذا كانَ يومٌ ذو كواكبَ أشْهَبُ
وقد تقع زائدة للتوكيد، كقولك: زيدٌ كانَ منطلقاً، ومعناه زيدٌ منطلقٌ. قال الله تعالى: وكان الله غفوراً رحيماً. وقال الهذليّ:
وكنتُ إذا جاري دَعا لِمَضوفَةٍ ... أُشَمِّرُ حتَّى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَري
وإنَّما يخبر عن حاله، وليس يُخبر بكُنْتُ عمَّا مضى من فعله. وتقول: كانَ كَوْناً وكَيْنونَةً أيضاً. وقولهم: لم يَكُ، وأصله يَكونُ. وأنشد:
إذا لم تَكُ الحاجاتِ من هِمَّة الفتى=فليس بمُغْنٍ عنك عَقْدُ الرَتائِمِ
وتقول: جاءوني لا يكون زيداً، تعني الاستثناء، كأنَّك قلت: لا يكون الآتي زيداً. وكَوَّنَهُ فَتَكَوَّنَ: أحْدَثَهُ فحَدَثَ. والكِيانَةُ: الكَفالة. وكنتُ على فلان أكونُ كَوْتاً، أي تكفَّلت به. واكْتَنْتُ به اكْتِياناً مِثله. وتقول: كُنْتُكَ، وكنتُ إيَّاكَ، كما تقول: ظننتُكَ زيداً وظننت زيداً إيَّاكَ، تضع المنفصل موضع المتَّصل في الكناية عن الاسم والخبر، لأنَّهما منفصلان في الأصل، لأنَّهما مبتدأ وخبر. قال الأسود الدؤلي:
دَعِ الخمرَ يشربها الغواةُ فإنَّني ... رأيتُ أخاها مُجْزِئاً لمكانِها
وإلاّ يَكُنْها أو تَكُنْهُ فإنَّه ... أخوها غَذَتْهُ أمُّه بلِبانِها
يعني الزبيب. والكَوْنُ: واحد الأكوانِ. والاسْتِكانَةُ: الخضوع. والمكانَةُ: المنزلة. وفلانٌ مَكينٌ عند فلان بيِّن المَكانَةِ. والمَكانُ والمَكانَةُ: الموضع. قال الله تعالى: ولو نَشاءُ لمسَخْناهُم على مَكانَتِهِمْ. ولمَّا كثُر لزوم الميم تُوُهِّمَتْ أصليَّةً فقيل تمَكَّنْ كما قالوا من المسكين تَمَسْكَنْ. أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخَ كنْتِيٌّ؛ كأنَّه نُسِب إلى قوله: كنتُ في شبابي كذا وكذا. قال:
فأصبحتُ كنْتِيًّا وأصبحتُ عاجِناً ... وشرُّ خصالِ المرء كنْتٌ وعاجِنُ