ولا أَعْني بذلك أَسْفَلِيكُمْ ... ولكنِّي أريد به الذَوينا
يعني به الأَذْواءَ، وهم ملوك اليمن من قُضاعة المسمَّون بذي يَزَنَ، وذي جَدَنٍ، وذي نُواسٍ وذي فائِشٍ، وذي أَصْبَحَ، وذي الكَلاع وهم التَبابعة. وأما ذُو التي في لغة طَيِّيٍ بمعنى الذي الذي فحقُّها أن توصف بها المعارف، تقول: أنا ذُو عَرَفْتَ وذو سَمِعْتَ، وهَذِهِ المرأةُ ذُو قالت كذا، يستوي فيه التثنية والجمع والتأنيث. قال الشاعر:
ذاكَ خَلِيلي وذَو يُعاتبُني ... يَرْمي ورائيَ بأسْهَمٍ وامْسَلِمَه
يريد الذي يعاتبني، والواو التي قبله زائدة. قال سيبويه: إن ذَا وحدها بمنزلة الذي، كقولهم: ماذا رأيت؟ فتقول: متاعٌ حسنٌ. قال لبيد:
ألاَ تَسْأَلانِ المرَء ماذا يحاولُ ... أَنَحْبٌ فَيُقْضى أم ضلالٌ وباطلُ
قال: وتجرى مع ما بمنزلة اسمٍ واحدٍ، كقولهم: ماذا رأيت؟ فتقول: خيراً، بالنصب، كأنَّه قال: ما رأيت؟ ولو كان ذا ههنا بمنزلة الذي لكان الجواب خيرٌ بالرفع. وأما قولهم ذاتُ مرّةٍ وذُو صباحٍ، فهو من ظروف الزمان التي لا تتمكَّن. تقول: لقيته ذاتَ يومٍ وذاتَ ليلةٍ وذاتَ غَداةٍ وذاتَ العِشاءِ وذاتَ مرّةٍ وذاتَ الزُمَيْنِ وذاتَ العُوَيْمِ، وذا صباحٍ وذا مَساءٍ وذا صَبوحٍ وذا غَبوقٍ، فهذه الأربعة بغيرها هاءٍ وإنَّما سُمِعَ في هذه الأوقات، ولم يقولوا: ذاتَ شهرٍ ولا ذاتَ سنةٍ. قال الأخفش في قوله تعالى: وَأَصْلِحوا ذاتَ بَيْنِكُم إنّما أنّثوا ذاتَ لأنَّ بعض الأشياء قد يُوضع له اسمٌ مؤنّث ولبعضها اسمٌ مذكَر، كما قالوا دارٌ وحائطٌ، أنّثوا الدار وذكَّروا الحائط. وقولهم: كان ذَيْتَ وذَيْتَ، مثل كيت وكيت، أصله ذَيْرٌ على فَعْلٍ ساكنة العين، فحذفت الواو فبقي على حرفين فشُدِّدَ كما شُدِّدَ كَيُّ إذا جعلته اسماً، ثم عُوِّضَ من التشديد التاء. فإنْ حذفْتَ التاء وجئت بالهاء فلا بد من أن تردَّ التشديد، تقول: كان ذَيِّت وذَيَّة. وإن نسبْتَ إليه قلت ذَيَويٌّ، كما تقول بَنَوِيٌّ في النسبة إلى البنت.