معناه هنا استخدام هذه الطاقة بفاعلية وكفاءة لإحراز العلم والمعرفة التي اكتسبها الآخرون. و"البصر" معناه تنميتها بما يضاف إليها من ثمرات الملاحظة والتجربة والبحث، و"الفؤاد" معناه تنقيتها من أدرانها وأوشابها، ثم استخلاص النتائج منها، وتقويمها وترقيتها.

إن هذه القوى الثلاث: السمع والبصر والفؤاد، إذا ما تضافرت بعضها إلى بعض، نجم عنها ذلك العلم، وتلك المعرفة اللذان منّ الله بهما على بني آدم، وبهما استطاع أن يتعامل مع سائر المخلوقات ويسخرها لإرادته.

ولو أردت التعمق في تأمل هذه الحقيقة لاهتديت في النهاية إلى أن هؤلاء الذين لا يستخدمون هذه القوى، أو يستخدمونها في حدود ضيقة، هم الذين كتب عليهم العيش في حالة من التأخر والانحطاط تحت كنف الآخرين وسلطانهم، أما الذين يوظفون هذه القوى بكفاءة وفاعلية، فهم الذين يظفرون بالسيادة والسيطرة, وهم الذين يصبح لهم حق قيادة البشرية وتوجيهها1.

ومجمل القول "أن زعامة الجنس البشري والأخذ بقياده إلى الخير أو إلى الشر، إلى لجنة أو إلى النار، من نصيب هؤلاء الذين يتفوقون على سواهم في الانتفاع بنعم السمع والبصر والفؤاد، تلك سنة الله، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} ولا تحويلا، وأيما جماعة من البشر -بغض النظر عن كونها مؤمنة أو كافرة- تحقق الغاية من هذه المنح الإلهية، فإنها تتولى عامة غيرها من الشعوب التي تجبر على الطاعة والإذعان.

والسؤال الآن هو: ما حقيقة هذه القوى: السمع والبصر والفؤاد؟ وما طبيعتها؟ وما فائدتها؟ وكيف يمكن تربيتها وتدريبها وصقلها لدى الإنسان المعاصر صغيرا كان أو كبيرا، حتى يتمكن من استخدامها بكفاءة وفاعلية في عمارة الأرض وترقية الحياة؟ إن هذه الإجابة عن هذه الأسئلة هي مهمة مناهج التربية عامة، ومناهج اللغات واللسانيات على وجه الخصوص.

ومما سبق يمكن إجمال ما يجب أن تراعيه مناهج التربية فيما يلي:

1- التأكيد على أن المعرفة عن طريق الوحي أو عنت طريق العقل والكون يتكاملان ولا يتعارضان، فصريح المعقول لا يتعارض مع صريح المنقول.

2- التأكيد على أن المعرفة كالعلم، وسيلة وليست غاية في ذاتها، وأن غاية العلم والمعرفة هي إعمار الأرض وترقية الحياة وفق منهج الله.

3- التأكيد على أن غاية العلم والمعرفة التطبيق في واقع الحياة، إلا انهدمت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015