مما سبق يتبين لنا أن المعرفة عن طريق الوحي، والمعرفة عن طريق العقل والكون يتكاملان ولا يتعارضان، فالعقل الإنساني قادر على التفاعل مع الكون والتأمل فيه، والتجريب على الأشياء الموجودة فيه، والمعرفة العقلية الصحيحة لا تقع خارج دائرة المعرفة التي تدعو إليها الشريعة، وصريح المعقول لا يتعارض مع صريح المنقول كما يقول ابن تيمية.
المعرفة الإنسانية كالعلم، وسيلة وليست غاية في ذاتها، فغاية المعرفة إقدار الإنسان على الإسهام بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض، وترقية الحياة على ظهرها وفق منهج الله.
والفرق بين العلم والمعرفة -كوسائل للتربية- يرجع -كما يقول الراغب الأصفهاني- إلى أن المعرفة تستخدم للدلالة على ما تدرك آثاره وإن لم تدرك ذاته، أما العلم فلا يكاد يطلق إلا على ما تدرك ذاته، ولهذا يقال: إن الإنسان يعرف ربه، ولا يقال: إنه يعلم ربه، فكأن المعرفة تأتي من خلال التعامل غير المباشر بالموضوع المدرك، ومن هنا فإنها تكون أقل دقة من العلم، ولهذا يوصف الحق -تبارك وتعالى- بأنه "عالم"، ولا يوصف بأنه "عارف"، والعلم لا يكون عن جهل، بينما المعرفة قد تسبق بجهل.
والعلم والمعرفة في منهج التربية لا بد أن يسيرا إلى تطبيق عملي، والتطبيق العملي هذا لا بد أن يكون في المربي الأسوة، بحيث لا يفهم المربى أن هناك علما تحشى به الرءوس، وهناك سلوك آخر ينفصل عن مبدأ ذلك العلم، فإذا انفصل العلم عن أنماط السلوك المتصلة به، انهدرت قيمة العلم، وانهدمت قيمة المعرفة، وحينئذ يكون الفساد المطبق الذي يصعب، بل يستحيل، علاجه.