لكن الإنسان الذي يصل إلى معرفة الله بإدراكه وشعوره، ويهتدي إلى منهجه بتدبيره وتفكيره، ويعمل وفق هذا المنهج بفكره وجهده، ويقاوم انحرافاته ونزعاته، ويجاهد أهواءه وشهواته، حين يصل الإنسان إلى هذه الدرجة وهو مدرك واع مريد، فإنه يصل حقا إلى مقام كريم، ومكان بين خلق الله فريد1.

إنها إذن -الإرادة الحرة، والإدراك الواعي والاختيار الطليق، والمحاولة المستمرة لفهم منهج الله وتطبيق مقتضياته في واقع الأرض، وحمل تبعة كل هذا ومسئوليته هذه -إذن- هي ميزة الإنسان الفريدة، على سائر خلق الله، فهي سر التكريم، ومناط التكليف: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] .

{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] .

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53] .

إن منهج التربية الذي يفوته تعميق هذه القضية في نفوس المتعلمين صغارا كانوا أم كبارا فإنه يكون قد فاته خير كثير.. بل فاته كل الخير.

والخلاصة: أن هذا الأساس من أسس بناء المنهج لا بد أن ينعكس على المناهج التربوية على النحو التالي:

1- التأكيد على أن الوحي هو المصدر الأول للعلم والمعرفة في التصور الإسلامي، وأن هذا المصدر يتمثل في القرآن والسنة، وليس في المذاهب أو الفرق الإسلامية.

2- التأكيد على إيضاح حقيقة الألوهية في التصور الإسلامي والفوارق بينها وبين حقيقة العبودية، ومقتضيات ذلك من الإنسان.

3- التأكيد على مفهوم التوحيد، على أساس أنه جوهر العقيدة في التصور الإسلامي، وأن التوحيد قرين الحرية، وأن الشرك قرين الاستبداد والظلم.

4- التأكيد على أن الله أرسل بالإسلام رسلا لأقوام خاصة في طفولة البشرية، وأنه -سبحانه- ختم بالإسلام -الرسالة العالمية الشاملة- حينما بلغت الإنسانية مرحلة النضح والرشد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015