الوحي والمنهج وحرية الإرادة:

إن منهج التربية يجب أن يركز في أذهان المتعلمين أن حريتهم إنما تكون في عبادة الله وحده. وإن الحرية الإنسانية إنما تقوم على قاعدتين أساسيتين:

القاعدة الأولى: هي إفراد الله بالعبودية.

القاعدة الثانية: هي اصطفاء الله للإنسان بحرية الاختيار وحرية الإرادة، والمسئولية في تطبيق منهج الله في الأرض.

إن المؤمن الذي يشهد أن لا إله إلا لله، وأن محمدا رسول الله، اعتقادا في الضمير، وسلوكا في الواقع، هو الذي يفرد الله بالعبودية، ومن ثم يفرده بالحاكمية، إن هذا المؤمن هو الشخص الوحيد الحر؛ لأنه لا يعبد طواغيت الأرض، ولا يرجو منها شيئا، ولا يخافها، وكلما استغرق الإنسان في عبوديته وحده، كان أكثر حرية، وأكثر أمنا واطمئنانا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] .

والإنسان في عبوديته لله على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى هي مرتبة عبودية الإنسان لله خضوعا لقانون الفطرة، وانقيادا لعهد الله وميثاقه الذي أخذه على بني آدم وهم بعد في ظهر الغيب السحيق حين سألهم: ألست بربكم؟ فاعترفوا له بالربوبية وأقروا بالوحدانية.

إن المشهد الفريد لتلك الحقيقة الهائلة العميقة، المستكنة في أعماق الفطرة الإنسانية وفي أعماق الوجود، تصوره الآية الكريمة:

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] .

إن هذه الرتبة من العبودية قد لا يختلف فيها الإنسان عن الحيوان الذي لا يعقل، والشجر الذي يتحرك، والملائكة الذين يفعلون ما يؤمرون، والإنسان على هذه الدرجة من العبودية لله لا يمتاز عن غيره من المخلوقات، وهذه هي درجة العبودية غير الإرادية لله أو عبودية الفطرة.

المرتبة الثانية من عبودية الإنسان لله، هي تلك التي يستخدم الإنسان فيها ما منحه الله من قوى الإدراك الظاهرة والباطنة في معرفة الله وعبادته، فالإنسان حين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015