والتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الذات والصفات. أما توحيد الربوبية، أو ما يسمى بتوحيد الله بأفعاله كالخلق والرزق والإحياء.. والإماتة.. والإيمان بوجوده ذاتا وصفات، فهذا الإيمان فطرة مستكنة في خلق الله للإنسان، وعهد مقطوع على بني البشر منذ خلهم الله، وهم بعد في ظهر الغيب: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] .

أما توحيد الألوهية، فيسمى توحيد الله بأفعال العباد، وهذه الوحدانية هي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي كله، وينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها، بنظمها السياسة والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية، فمن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة، فلا يكون الإنسان عبدا إلا لله، ولا يتجه بالعبادة إلا لله، ولا يلتزم إلا بطاعة الله، وعند هذا التصور تنشأ قاعدة الحاكمية لله وحده، فيكون الله وحده هو المشرع للعباد، بحيث تجيء التشريعات البشرية من شريعة الله.. وعن هذا التصور تنشأ قاعدة استمداد القيم الخلقية، والعلمية والمعرفية كلها من ميزان الله.. وبذلك فلا شرعية لنظام أو لقانون أو لتغير سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو تربوي يخالف منهج الله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] .

وعلى هذا فالذين يقولون إنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يشركون معه غيره في الألوهية، حين يتحاكمون إلى شريعة من صنع غيره، وحين يطيعون من لا يتبع رسوله وكتابه، وحين يتلقون التصورات والقيم والموازين والأخلاق والآداب من غيره.. هذه الأمور كلها تناقض القول بأنهم يؤمنون بالله، ولا تستقيم مع شهادة الله -سبحانه- بأنه لا إله إلا هو، ولا تستقيم مع صفة الإسلام ووظيفتها وهي أنها أمة "وسط" شاهدة على الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015