الخلاصة:

مما سبق يتضح لنا أن منهج التربية الذي ننشده إنما يهدف إلى بناء الإنسان من الداخل كي يكون صالحا لتقوى الله، وعمارة الأرض وترقية الحياة، وأداء الالتزامات المترتبة على استخلاف الله له فيها، فالتربية في هذا المنهج ليست من أجل اجتياز الامتحانات، وأداء الاختبارات، بل من أجل اكتساب المعارف والمفهومات والمهارات, واستخدامها في عمارة الأرض وترقية الحياة بما يتفق مع منهج الله.

ونظام التربية في هذا المنهج فردي وجماعي، جماعي في دراسة علوم المقاصد والغايات، وهو فردي في دراسة ما بعد ذلك من العلوم، والمتعلم في هذا المنهج يتمتع بقسط كبير من الحرية، فهو بعد دراسة علوم المقاصد يختار من المواد الدراسية الأخرى ما يناسب فطرته واستعداداته وميوله المختلفة، فالهدف من التربية في هذا المنهج هو النمو الكامل: جسميا وعقليا، ووجدانيا، وليس حفظ المعلومات وحشو الذهن بها بقصد اجتياز الامتحانات ثم نسيانها بعد ذلك.

وكانت ممارسة المسلمين التربوية إلى ما قبل قرنين من الزمان تقريبا تسير وفق هذا المفهوم لعملية التربية، فلم يكن يطلب من المتعلمين تأدية امتحان بعد الانتهاء من الدراسة, كالامتحانات التي تعقد في أيامنا هذه، ولم يكن الطالب مقيدا بنظام معين، ولا بجدول أوقات للدروس والمحاضرات.

وقد ذكر ابن أبي أصيبعة حالة واحدة جاء فيها أنه عقد امتحان لأطباء بغداد في عهد الخليفة المقتدر "في القرن العاشر الميلادي" بحضرة سنان بن ثابت الذي كان يمتحن الأطباء شفويا1.

وقد كان الأساتذة يكتفون بمعرفتهم الوثيقة لكل طالب من خلال مناقشاته ومحاوراته ومناظراته أثناء الدراسة، فبدلا من الامتحانات كان الأساتذة يتابعون طلابهم باستمرار بالحوار والمناقشة، ثم يعطون طلبتهم الأكفاء شهادة أو إجازة ينصون فيها على أن الطالب قد أتم دراسة منهج معين، تحت إشراف الأستاذ فلان، وذلك دون أن يؤدي الطالب امتحانا بالطريقة الشكلية المعروفة, واعتمادا على معرفتهم العملية بالطالب أثناء الدراسة، وكان الغرض من الإجازة، الإقرار بكفاءة الطالب وفهمه واستيعابه لعلم أو مادة معينة، وقدرته على البحث، وكانت الإجازة العلمية شهادة شخصية من الأستاذ للطالب، ليس فيها عنوان معهد معين، ولا لقب خاص، وبذلك كان التقويم بنائيا ومستمرا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015