{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264] .
فالمن والأذى يمحق الصدقة، ولا يبقي لها أثرا تماما كهيئة الحجر الصلب المستوى الذي غطته طبقة من التراب, فظن فيه الخصب والنماء، فإذا وابل من المطر يصيبه فيتركه صلدا، ثم يمضي القرآن في التصوير لإبراز المعنى المقابل لمعنى الرياء ومعنى الذهاب بالصدقة التي يتبعها المن والأذى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 265] .
هنا الوجه الثاني للصورة، فالصدقات التي تنفق ابتغاء مرضاة الله، هي في هذه المرة كالجنة، والجنة فوق ربوة عالية، ورغم أن الوابل مشترك بين الحالتين, إلا أنه في الحالة الأولى محا ومحق، وفي الحالة الثانية أربى وأخصب، وفي الحالة الأولى يصيب الصفوان فيكشف عن وجه كالح كالأذى، وفي الحالة الثانية يصيب الجنة، فيمتزج بتربتها الخصبة فيخرج الثمار الوفيرة، وهي يكفيها الندى القليل ليبعث فيه الحياة1.
3- ومن يشرك بالله لا منبت له ولا جذور، ولا أمن له ولا استقرار، يصور القرآن هذا المعنى بصورة سريعة الخطوات، عنيفة الحركات:
{حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31] .
هكذا في لحظة، يخر من السماء من حيث لا يدري أحد، فلا يستقر على الأرض، بل تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، حيث لا يدري أحد كذلك.
4- ويصور الحالة النفسية للإنسان المتزعزع العقيدة، الذي لا يستقر على يقين ولا يحتمل ما يصادفه من الشدائد بقلب راسخ، ولا يبتعد بعقيدته عن ميزان الربح والخسارة, يرسم القرآن لهذه الحالة النفسية صورة تهتز وتترنح وتوشك على الانهيار: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11] .