إن الصور والمشاهد والتجارب المباشرة السابقة تؤكد لنا أن الوسائل قد استخدمت منذ زمن مسرف في القدم.. منذ طفولة الإنسانية.

التصوير الفني:

القرآن كتاب الله الخالد إلى العالمين، وهو كتاب الله إلى الإنسانية جمعاء، ليهديها، ويرشدها، ويعلمها، فهو كتاب الله إلى الإنسان الفرد ليهديه ويعلمه ويزيح البلادة التي تزحف على عقله وقلبه من آن لآخر، لقد استخدم القرآن الوسيلة في عملية الهداية والتعلم، وضرب المثل، وقص القصة، وصور الوقائع، واستخدم الصور المجسمة، واللوحات الناطقة، والمشاهد المعبرة، والمواقف الصاخبة، وعبر عن الحالات النفسية، والنماذج الإنسانية، وأخرج المعاني المجردة في صور شاخصة متحركة، وعبر عن الفكرة الذهنية في صورة مرسومة مصورة.. نعم، فعل كل هذا وفعله بالكلمة فقط!

وهنا يحدثنا المرحوم الأستاذ سيد قطب عن "التصوير الفني في القرآن" وسنقتبس منه بعض النماذج التي عرضها في كتابه القيم "التصوير الفني في القرآن"1.

يقول: التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن، فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني، والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصور التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية، فأما الحوادث والمشاهد, والقصص والمناظر، فيردها شاخصة حاضرة فيها الحياة وفيها الحركة، فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوى لها كل عناصر التخيل، فما يكاد يبث العرض حتى يحيل المستمعين إلى نظارة، حتى ينقلهم نقلا إلى مسرح الحوادث الأول، الذي وقعت فيه أو ستقع، حيث تتوالى المناظر، تتجدد الحركات، وينسى المستمع أن هذا كلام يتلى، ومثل يضرب، ويتخيل أنه منظر يعرض، وحادث يقع، فهذه شخوص تروح على المسرح وتغدو، وهذه سمات الانفعال بشتى الوجدانات، المنبعثة من الموقف المتساوقة مع الحوادث، وهذه كلمات تتحرك بها الألسنة، فتنم عن الأحاسيس المضمرة.

"إنها الحياة هنا، وليست حكاية الحياة، فإذا ما تذكرنا أن الأداة التي تصور المعنى الذهني والحالة النفسية, وتشخص النموذج الإنساني أو الحادث المروي، إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015