الإعداد للمهن والحرف:

ومحتوى منهج التربية الإسلامية ترتبط فيه النظرية بالتطبيق، والقول بالعمل، وذلك انطلاقا من أن الدين الإسلامي لا يفرق بين المثال والواقع، لأن مثله موضوعة بحيث يمكن تطبيقها في الحياة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا} [التغابن: 16] ، وعلى هذا فالإسلام ليست فيه تلك الفجوة المعهودة بين المثال والواقع، أو بين النظرية والتطبيق كما يعبر عنها في أوربا.

لا بد إذن أن يكون محتوى المناهج الدراسية -إذا أردنا أن تكون مناهجنا في الشكل والمضمون- نظرية وعملية معا، لا نظرية فقط، وأن توجد في مدرسة البنين "ورشة" أو "معمل" أو "مختبر" لتدريب المتعلمين فيها، وربط الأفكار النظرية بتطبيقاتها العلمية، وأن توجد في مدرسة البنات "بيت" يدرن شأنه ويدبرن أموره، بالإضافة إلى كل الخبرات التي تعدهن للقيام بأعباء الزوجية وتربية الأطفال على خير وجه.

ويجب أن يشتمل محتوى منهج التربية الإسلامية على مواد كسب المهارة، وتعلم الصناعات المختلفة، والإعداد للحياة العملية والعمل الجاد، الذي يعين الإنسان على عمارة الأرض بمقتضى منهج الله، كما يشتمل على مواد ترقية الوجدان، وإبراز دقة الله في الخلق كالآداب والفنون والموسيقى, وزخرف الخط, وغير ذلك من الفنون.

لقد وضع الإسلام دستورا شاملا للعمل هو جزء من محتوى منهج التربية، فسواء كان العمل يدويا أو عقليا أو فنيا فالخبرة والمهارة فيه مطلوبة، فالمجتمع يحتاج إلى العامل الماهر كما يحتاج إلى الطبيب الماهر يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" , "رواه أبو يعلى والعسكري". ويقول: "من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له" , "أخرجه الطبراني". ويقول: "إن الله يحب المؤمن المحترف" , "أخرجه الطبراني والبيهقي". ويقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدا تورمت من كثرة العمل ويقول: "هذه يد يحبها الله ورسوله"، كما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحرفة أمان من الفقر".

وقد تعلم نوح صناعة السفن، إذ أمره الله بصنعها في قوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015