والطريقة الثانية: هي التي تهتم بتحديد مطالب المادة التعليمية، كاللغة، أو الرياضيات.. إلخ. أكثر من اهتمامها بحاجات الدارسين، فالترتيب المنطقي للمواد الدراسية وكل المعارف والمعلومات والتطورات التي حدثت للمادة الدراسية يجب أن يكون متضمنا في محتوى المنهج، هذه الطريقة غالبا ما ترفع قيمة المادة الدراسية والمعرفة، والمعلومات على قيمة الإنسان المتعلم، وحاجاته ومشكلاته ومطالبه.
والطريقة الثالثة: هي طريقة اختيار محتوى المنهج عن طريق الخبراء في كل مجال من مجالات المعرفة.
فهؤلاء يستخدمون خبراتهم الطويلة في اختيار محتوى المنهج, كل في مجال تخصصه.
ومنهج التربية والتعليم يجب أن يركز على الطريقة الأولى التي تهتم بالإنسان المتعلم، وتعتبر أن قيمته تعلو على كل شيء، وأنه سبب المنهج، والمقصد من بنائه، وأن كل شيء يجب أن يسخر لخدمته، فالله سبحانه وتعالى، قد سخر الكون كله لخدمته: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] .
إن الإنسان هو الخليفة في الأرض، وهو المكلف بتنفيذ منهج الله فيها، وهو المخلوق الوحيد الذي يعبد الله بإرادته الحرة، ولذلك لا يجب أن تعلو قيمة أي شيء على قيمته.. بل ويجب أن يسخر كل شيء لخدمته، فحتى نزول القرآن من رب العالمين، جاء محققا لهذا المعنى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] فقد نزل القرآن، مقسطا، على مكث.. حلا لمشكلات الحياة وتبيانا لقوانينها، ووضعا لنظامها، فالناس، وحياة الناس، لا الأشياء، هي مهمة المنهج، ولذلك فإن تلبية مطالب وحاجات الإنسان الذي يقوم على تنفيذ منهج الله، هي المعيار الأساسي في اختيار محتوى المنهج.
لكن مناهج التربية والتعليم إذ تركز على الطريقة الأولى التي تهتم بالإنسان المتعلم، فهي تسخر مميزات الطريقتين الأخريين لتحقيق هذا الغرض، فمنهج التربية لا بد أن يعتمد على المتخصصين أو "أهل الذكر" في كل مجال من مجالات المعرفة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ، وأهل الخبرة: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] ، {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] .