بالرغم من أن كل نظام إعلامي مخطط على أساس سليم، يقوم على أساس فلسفة أو نظرية معينة، وأن أجهزة الإعلام في معظم دول العالم تقوم على خدمة الفلسفات والنظريات والمناهج التي تتبناها تلك الدول، إلا أن الإعلام عندنا نحن المسلمين، ليس "نظاما" ولا يتبع خطة مرسومة بعناية، وإنما هو جهود مبعثرة، ومتناقضة في كثير من الأحيان؛ وأن معظم أنشطته ليست ذات صبغة فنية موحية ومشوقة، بل يغلب عليها الوعظ والتوجيه المباشر؛ وأن أغلبه ليس صادرا عن عقيدة الإسلام وتشريعاته ونظمه الإنسانية والخلقية، وأنه بعيد -إلى حد كبير- عن تحقيق غايات الإسلام ومقاصده، بل إنه يقوم -في معظم الأحيان- بالترويج للفلسفات والنظريات والنماذج الاجتماعية التي سعت جيوش الاحتلال في الماضي إلى خلعها على الحياة الاجتماعية والثقافية الإسلامية!
إن وظيفة الإعلام هي المساهمة بجدية وفاعلية في استعادة "وسطية" الأمة الإسلامية و"شهادتها على الناس"، وفي الحفاظ على "تميز" الأمة الإسلامية بعقيدتها ومنهجها، والإعلام في هذه الحالة -وفي هذه الحالة فقط- يحافظ على هوية الأمة ويحميها من الذوبان في أمم أخرى، قد أخرجت هي أصلا لهديها وقيادتها.
إن المؤسسات الإعلامية هي مؤسسات منهجية وتربوية ملتزمة، وهي تفوق في تأثيرها -خاصة هذه الأيام- المدرسة والجامعة والمناهج التربوية المقصودة، لذلك فإنها إذا لم تكن مخططة ومنظمة على أساس من الحقائق والمعايير والقيم الإلهية الثابتة، والمعارف والمهارات والخبرات الإنسانية المتغيرة بتغير الزمان والمكان وحاجات الناس، فإنها تتحول، لا محالة، إلى كارثة محققة، وتصبح طريقا معبدا إلى الهاوية.
إن مهمة الإعلام الآن هي تقويم واقعنا المنحرف عن منهج الله, ونظامه للكون والإنسان والحياة، ورده بالحسنى إلى الطريق المستقيم، إن ذلك يتطلب المساهمة في تحرير الإنسان من عبودية غير الله، والخوف من غير الله، ولن يكون ذلك كذلك إلا بعودة الإعلام إلى المضمون الإسلامي، وتكوين رأي إسلامي مستنير.
ولن يستطيع الإعلام تكوين رأي عام مستنير إلا إذا تخلص من الضغوط الفلسفية والمنهجية للغرب بصفة عامة ولأمريكا على وجه الخصوص.
إن الحرية الواعية المسئولة هي أثمن هدايا الإسلام إلى الإنسانية، فالحرية فطرة في الطبيعة الإنسانية، يختل نشاط الإنسان، ويسوء عمله، وتهبط أخلاقه، ويتدهور حال مجتمعه كله، إذا حوصر الإنسان، أو منع من ممارسة حريته، أو إذا انفلت في ممارستها دون ضبط أو تنظيم وفق معايير المنهج الإلهي.
إنه عندما يكون المجتمع محكوما بمنهج الله، وعندما يكون الإسلام -عقيدة وشريعة- هو أساس التصور الاعتقادي والتصور الاجتماعي، والمنهج التربوي، والنظام الإعلامي.. عندئذ يتحرر الإنسان من الخوف إلا من الله، ويكون النشاط الاجتماعي كله حركة واحدة في اتجاه واحد لتنفيذ منهج الله، عندئذ لن يكون هناك "رأي عام زائف" ولا "رأي عام كامن" لأنه خائف؛ لأن الإنسان في هذه الحالة لن يخاف إلا من الله.