الأدوات"، ولا تنفقها في "صناعة الإنسان" لأن الإنتاج المادي يومئذ أغلى وأعز وأكرم من "الإنتاج الإنساني" عندئذ يكون هذا هو "التخلف الحضاري" بالقياس الإنساني.. أو تكون هي الجاهلية بالمصطلح الإسلامي"1.

لقد شاءت فطرة الله أن يكون ميدان إنشاء العنصر الإنساني وتنشئته هو ميدان عمل المرأة بالدرجة الأولى، ويقارن الشيخ محمد متولي الشعراوي بين ميدان عمل المرأة هذا وبين ميدان عمل الرجل خارج البيت، ويرى أن ميدان عمل المرأة أهم وأدق من ميدان عمل الرجل؛ لأن الرجل -بحكم عمله خارج البيت- إنما يتعامل مع "أشياء" هي كلها مسخرة لخدمة الإنسان، الذي هو أكرم ما في الوجود كله، أما المرأة فمهمتها هي التعامل مع هذا المخلوق الراقي، الكريم على الله، وهو الإنسان، تتعامل معه كزوج فيسكن إليها، وتتعامل معه جنينا في بطنها، وووليدا في حضنها، ورضيعا تغذيه وتحنو عليه، وطفلا، وصبيا، وشابا تربيه وترعاه وتضرب له المثل.

إن ترك المرأة لهذا الميدان الذي هو مجال عملها الرئيسي -والذي خلقها الله وفطرها لتحسن الأداء فيه- إلى ميدان آخر، لهو مأساة بكل المقاييس يقول الأستاذ عباس محمود العقاد: "إن المجتمع الذي يتزاحم فيه الرجال والنساء على عمل واحد في المصانع والأسواق، لن يكون مجتمعا صالحا، مستقيما على سواء الفطرة مستجمعا لأسباب الرضى والاستقرار بين بناته وبنيه؛ لأنه مجتمع يبذر جهوده تبذير السرف والخطل، على غير طائل، ويختل فيه نظام العمل والسوق، كما يختل فيه نظام الأسرة والبيت"2.

فالمرأة لم تزود بالعطف والحنان والرفق بالطفولة، والقدرة على فهمها وإفهامها، والسهر على رعايتها في أطوارها الأولى لتهجر البيت، وتلقي بنفسها في غمار الأسواق والدكاكين. وسياسة الدولة كلها ليست بأعظم شأنا، ولا بأخطر عاقبة، من سياسة البيت؛ لأنهما عالمان متقابلان: عالم العراك والجهاد، يقابله عالم السكينة والاطمئنان؛ وتدبير الجيل الحاضر يقابله تدبير الجيل المقبل. وكلاهما في اللزوم وجلالة الخطر سواء3.

وإذا كان ميدان المرأة الحقيقي هو البيت بمن فيه وما فيه، فإن تركها لهذا الميدان وخروجها للعمل في المجتمع الخارجي على اتساعه يعد تخريبا للميدان الحقيقي الذي تركته، وللميدان الجديد الذي لم تعد له بالفطرة والاستعداد والدربة. "ولولا مركب النقص، لكان للمرأة فخر بمملكة البيت، وتنشئة "المستقبل" فيه، لا يقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015