عليه في الحياة، وأن هذا النظام أو المنهج موجود في مواد العلوم الشرعية عموما، وفي القرآن والسنة على وجه الخصوص، وأنه موجود في مناهج العلوم الكونية أيضا مثل الطبيعة والكيمياء والأحياء، وخاصة أنه ينبغي أن ندرس الكون على أنه مخلوق من مخلوقات الله، وأن مهمة المناهج هي أن يقف التلاميذ على قوانين الله في الكون حتى يستطيعوا بعد ذلك تسخيرها وتطبيقها في إعمار الحياة. إن هذه المناهج عندما تفعل ذلك فهي تعلم "الدين" بأيسر أسلوب وبأجمل طريقة.
إذا كان الدين قد أنزله الله لتنظيم حياة الإنسان، فما حقيقة الإنسان؟ لا بد أن توضح مناهج التربية للصغار والكبار أن الإنسان عبد الله، سيد الكون، وأن الله خلقه من طين الأرض، ثم نفخ فيه من روحه، فهو جسم وروح ممتزجان متكاملان، وأن الله قد خلقه ليفعل ذلك بإرادته الحرة، وأنه عائد إلى الله ليجازيه على قدر قيامه بالمهمة التي خلق من أجلها.
إن الدين ينظم حركة الإنسان مع حركة الكون، ومهمة المناهج التربوية أن تعد الإنسان القادر على التعامل الحسن مع الكون الرحيب الذي صممه الله لخدمته، وسخره ليكون متناسقا مع حركته المستقيمة مع منهج الله، فإذا انحرفت حركة الإنسان عن استقامة فطرة الله فيه، اختلت حركة الكون من حوله، وحدث الجفاء بينه وبين النظام الكوني المصمم أصلا لخدمته.
إن الإنسان يتعامل على سبيل المثال، مع الكون المشهود بهوائه ومائه، وبحاره، وأنهاره، وأرضه وسمائه، وجماده ونباته، ويتعامل مع الكون المغيب بروحه وملائكته وجنه وشياطينه. فإن تعامل مع كل هذا وفق ما أمر الله ونهى، دانت له كل مفردات الكون بالطاعة، وإن تعامل معها بما يخالف منهج الله حدث الخلل والاضطراب، وتحولت مظاهر الكون إلى أعداء للإنسان، وتحول الكون المسخر للإنسان إلى عدو لدود، ومن أمثلة ذلك خرق طبقة الأوزون، وتلوث الماء، وتلوث الهواء.. إلخ.
إن الدين ينظم -أيضا- حركة الحياة الاجتماعية فالدين له نظام للسياسة، ونظام للاقتصاد، ونظام للعلاقات الاجتماعية، ونظام للتربية، ونظام للثقافة والحضارة، ونظام للأسرة، ونظام للفنون والآداب، ونظام للإعلام والإعلان، إلخ. فإذا تعامل الإنسان مع نظم الحياة بما يتسق مع دين الله ونظامه عمرت الحياة، وازدانت الأرض بالخير والنماء، وإذا انحرف في تعامله مع مفردات الحياة ونظمها عن منهج الله، سادت الفوضى، وعم الظلم والاستبداد والخراب والدمار.