لذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحدكم طعاما قط خيرا من عمل يده". "رواه البخاري".

والإسلام يقدر العمل وبذل الجهد، ويجعلهما السبب الأساسي للتملك والربح، ويحرم أن يلد المال المال، وإنما يلد المال الجهد والعمل. وعلى أساس هذه القاعدة حرم الربا. لأن المرابي يمتص نتيجة عرق الآخرين وجهدهم بينما هو قاعد لم يكد ولم يكدح ولم يبذل جهدا، مما يورث العداوة والبغضاء، ويؤدي إلى هدم الحياة النظيفة.

وقد روي أن سعد بن معاذ كان يواري كفية في ثوبه كلما تقابل مع رسول الله فقال -صلى الله عليه وسلم- له: "يا سعد، ألا تريد أن تسلم علي؟ " قال سعد: والله يا رسول الله، ما هناك شيء أحب إلي من ذلك، ولكني أخاف أن تؤذي يداي يديك. فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "أرني يديك يا سعد"، فأخرج سعد كفين خشنين كخفي بعير من كثرة العمل.. فرفعهما الرسول إلى فمه، وقبلهما، وقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله, ولن تمسها النار أبدا".

ولأن الإسلام يقدس العمل وبذل الجهد، والكد والكدح، ويجعل ذلك أساس عمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها، فهو يحاول دائما أن يربي الإنسان بحيث يكون قويا دائما، فالمؤمن الذي لم يجاهد ولم يحدث نفسه بجهاد يموت على شعبة من شعب النفاق. وهو دائما يقظ، فالمؤمن -كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ممسك بعنان فرسه، كلما سمع هيعة طار إليها".

لذلك فإن من الحكمة للإنسان تعريضه للهزات النفسية التي توقظه، وتدريبه على مواجهة المحن والتمرس بأعباء المقاومة. ففي التصور الإسلامي أن الله إذا أحب عبدا لم يدلله، بل يقذف به ساحة النضال ليستكشف بنفسه مواهب نفسه.. وبذلك يعده لرسالته التي لا يطيق تحملها ذوو النفوس الخرعة، والقلوب الهلعة! والجندي الذي لا يستعمل قواه في العديد من المناورات، لن يكون جديرا باقتحام الساحات.

ولكي يكون المؤمن قويا، يقظا، قادرا على العمل وبذل الجهد، فاعلا إيجابيا في إعمار الحياة، فإنه يجب أن يبتعد عن الترف والترهل. فالإسلام يكره الإسراف والترف والترهل كراهية شديدة، ويعدها مصدر شر للفرد والجماعة. فالترف منكر يجب على الجماعة نبذه وتغييره، وإلا كانت عرضة للهلاك بسببه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015