بلّة أن جاريته كانت تقول: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب1.
وامتحن مرة ثانية بهجاء أبي نواس له، فقد زاره أبو نواس في مجلس، فلم يعرفه وبالتالي لم يستدنه أو يحتفل به فانصرف مغضبًا، فسأل الهيثم عنه فقيل له: إنه أبو نواس، فقال: هذه والله بلية لم أجنها على نفسي، قوموا بنا نعتذر إليه، وذهب إلى أبي نواس يعتذر إليه خشية لسانه، ولكنه كان قد سبق السيف العذل فقد كان أبو نواس أنشأ فيه:
يا هيثم بن عدي لست للعرب ... ولست من طيء إلا على شغب
إذا نسبت عديًّا في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين في النسب2
وهي قصيدة مريرة الهجاء كان البيت الثاني منها سببًا في محنة ثالثة للعالم الجليل، فقد كان الهيثم تزوج في بني الحارث بن عدي بن كعب فلم يرتضوه، وأرادوا تطليق ابنتهم منه فادعوا أنه ذكر العباس بن عبد المطلب بسوء فحبس ذلك حسبما سلف القول قبل قليل. ثم ركب محمد بن زياد بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي ومعه بعض جماعته إلى هارون الرشيد، وسألوه أن يفرق بين الهيثم وبين التي تزوجها من بني الحارث، فقال الرشيد -وكان حافظ أشعار- أليس هو الذي يقول فيه الشاعر:
إذا نسبت عديًّا في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين في النسب
قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، فأمر الرشيد أن يفرق بينهما، وأخذ الهيثم وضرب ضربًا بالعصا حتى طلقها3.
وكان الهيثم بمثابة نقطة إثارة للشعراء فيهجونه، فقد أراد الخريمي الشاعر الكبير أن يهجوه فلم تسعفه قريحته فذهب إلى صديقه الشاعر الأعمى علي بن جبلة المعروف بالعكوك قال له: إن لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تهجو لي الهيثم بن عدي، قال: ومالك لا تهجوه أنت وأنت شاعر؟ قال: قد فعلت فما جاءني شيء كما أريد. قال: فكيف أهجو رجلًا لم يتقدم إلي منه إساءة ولا له إلى جرم يحفظني؟ قال: تقرضني فإني ملي بالوفاء والقضاء، قال: فأمهلني، ثم كان أن هجا العكوك هيثما بهذه الأبيات التي يذكر فيها قصة تطليقه الحارثية، وهي قصة موجعة جعلتها الأبيات أكثر إيجاعًا: