وفي الوقت نفسه ينبغي الإشارة إلى أن المقري قد عاب كتابه بالاستطرادات الطويلة الكثيرة التي تلقي بالقارئ في متاهات صعبة بحيث يكاد ينسى الموضوع الذي كان متوفرًا عليه.
خامسًا: ومن عيوب الكتاب أيضًا التكرار، والتكرار غير الاستطراد، ذلك أن المقري يأتي بالخبر الطويل المقترن بالشعر الكثير، ثم لا يلبث أن يكرره مثنى وثلاثًا في أماكن عديدة من الكتاب بنصفه ومحتواه، ثم يعود مرات أخرى لكي يكرره من أوله تارة، ومن وسطه تارة ثانية ومن آخره تارة ثالثة ولو قد خلص الكتاب من التكرار لزاد قدره قيمة على قيمته، غير أن عذرًا قد يلتمس للمؤلف، ذلك أنه حينما يكرر في بعض الأحيان يكون سبب التكرار رواية لمصدر غير المصدر ذي الرواية الأولى.
سادسًا: والحديث عن المصادر يدفع بنا إلى ذكر حسنة كبرى من حسنات "نفح الطيب"، ذلك أن المقري -بحكم كونه راوية محدثًا- يعتمد أسلوب الرواية في ما يورده من أخبار، فيرد كل خبر إلى أصله وكل شعر إلى مصدره، فيتجمع لنا من خلال روايات المقري في نفحه عدد كبير من مصادر الأندلس التاريخية والأدبية، ما ضاع منها وما قد نجا من آفة الضياع والاحتراق والإخفاء والسرقة والتلف.
وكتاب "نفح الطيب" يعتبر خاتمة الموسوعات الكبرى المتخصصة في عرض التراث الإسلامي الأندلسي من تاريخ وبلدان وآداب وترجمات وسياسة ووزارة وفتوح وحروب ودس وهزائم وصفحات ناصعة وأخرى مخزية، وهو في جملته بالنسبة للأدب الأندلسي كتاب الكتب وسفر الأسفار.
والكتاب لأهميته طبع إلى الآن مرات أربعًا، ثلاث مرات في مصر، أولاها في مطبعة بولاق سنة 1279، وثانيتها في المطبعة الأزهرية، وثالثتها بتحقيق محيي الدين عبد الحميد سنة 1367هـ، والرابعة في بيروت بتحقيق الدكتور إحسان عباس.