أولًا: كان أبو العباس المقري محبًّا للسان الدين بن الخطيب الوزير العالم الأديب الغرناطي الذي مر حديثه، معجبًا بأشعاره مغرمًا بعلمه وأفكاره كثير الترداد لاسمه والاستشهاد بشعره في مجالسه إبان زيارته الأولى لدمشق، وكان يكثر من ذكر الأندلس ومجال طبيعتها، ونباهة شأن علمائها، ورقة شعر شعرائها، فطلب إليه أحمد بن شاهين القبرسي "القبرصي" المعروف بالشاهيني، وكان الشاهيني آنذاك كبير أدباء دمشق وشعرائها وفضلائها، ترك السيف وانعطف إلى القلم، وتمنى على صديقه وضيفه أبي العباس أن يكتب كتابًا عن لسان الدين يعرف بأحواله وأخباره وأدبه وكتبه، فاعتذر المقري أول الأمر عن الإقبال على مثل هذا العمل الجليل؛ لأنه لا يستطيع إيفاء من كان في مكانة ابن الخطيب حقه، فلما ألح الشاهيني في طلبه مستعينًا بصداقته ومودته وما له من دالة على المقري استجاب له أبو العباس ووعده بتحقيق رغبته بعد أن يعود إلى مصر.
وما إن عاد عالمنا الكبير، وكان ذلك سنة 1039 حتى عكف على الكتابة عن لسان الدين وبالمثابرة والمتابعة، والعزم والذاكرة الحافظة الواعية انتهى المقري من كتابه وجعل عنوانه "عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب"، ثم عن له أن يعزم "على زيادة ذكر الأندلس جملة، ومن كان يعضد به الإسلام وينصر وبعض مفاخرها الباسقة، ومآثر أهلها المتناسقة؛ لأن كل ذلك لا يستوفيه القلم ولا يحصر1.
فلما أخذ الكتاب سمته الجديدة بهذه الإضافة رأى المؤلف أن يعيد النظر في عنوانه فجعله "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب".
وهكذا بدأ المقري كتابه حول شخصية أندلسية واحدة، ثم ما لبث أن جعل منه موضوعًا للأندلس كلها.
ثانيًا: جعل المؤلف كتابه في قسمين، وجعل كل قسم في ثمانية أبواب فخص القسم