530هـ وأنشده قصيدة في مديحه يقول فيها1:

عليك أحالني الذكر الجميل ... فجئت ومن ثنائك لي دليل

أتيت ولم أقدم من رسول ... لأن القلب كان هو الرسول

وهي قصيدة رائعة الأنغام عذبة المعاني والإيقاع، وفيها يصف نفسه وشكله البدوي وذكاءه وفطنته قائلًا:

أجل طرفًا لدي فإن عندي ... من الآداب ما يحوي الخليل

ومثلني بدن فيه سر ... يخف به ومنظره ثقيل

فنال الحجاري عند ابن سعيد حظوة، ومكانة وقربه إليه ولمس فيه القدرة على التأليف الأدبي لكثرة محفوظه وسعة اطلاعه، فطلب إليه تصنيف كتاب في لطائف الشعر وطرائف النثر فكتب له كتاب -أسماه "المسهب في غرائب المغرب" في نحو ستة أسفار، بدأه من فتح الأندلس حتى تاريخ كتابته وهو سنة 530هـ فأعجب به أيما إعجاب، وجعل يطيل القراءة فيه، ثم ثار في خاطره أن يضيف إليه ما أغفله الحجاري2 بحيث أضفى على الكتاب من أدبه وعقله ما جعله يتخذ شكلًا آخر.

فلما مات عبد الملك بن سعيد، تولى أمر الكتاب عناية وزيادة وإضافة ولداه أبو جعفر أحمد الذي اتخذه عثمان بن عبد المؤمن وزيرًا له ثم ما لبث أن قتله غيرة منه لتعلق الشاعرة حفصة بنت الحاج الركونية بحبه وكان عثمان يهواها، وأبو جعفر هو أشعر بني سعيد ونجم لامع من فرسان الشعر والتوشيح في الأندلس3. قام أبو جعفر على السير قدمًا بالكتاب الذي بدأه الحجاري وتابعه عبد الملك والد أبي جعفر.

فلما قتل أبو جعفر سنة 550 هجرية تابع الجهد العلمي أخوه عبد الله محمد بن عبد الملك، وكان بنو عبد المؤمن الموحدون قد استوزروه وولوه أعمال إشبيلية وغرناطة ثم سلا بأقصى الغرب، وكان محمد وزيرًا جليلًا ذا همة وعلم وشمائل، ولقد عرف بالعلم والسياسة أكثر مما عرف بالشعر، وكان الشعراء ينتجعون ساحته فيجزل لهم العطاء تقديرًا للشعر وليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015