أدب المشارقة، ونرجو مخلصين ألا تكون بالرجل مسحة شعوبية، ويقول ابن بسام في هذا المقام1.

وما زال في أفقنا هذا الأندلسي القصي إلى وقتنا هذا من فرسان الفنين وأئمة النوعين، قوم هم ما هم طيب مكاسر وصفاء جواهر، وعذوبة موارد، ومصادر لعبوا بأطراف الكلام المحلق، فصبوا على قوالب النجوم غرائب المنثور والمنظوم، وباهوا غرر الضحى لولاه حكمه، ونظم لو سمعه كثير ما نسب ولا مدح، أو تتبعه جرول ما عوى وما نبح، إلا أن أهل هذا الأفق أبوا إلا متابعة أهل الشرق، يرجعون إلى أخبارهم المعتادة، رجوع الحديث إلى قتادة، حتى لو نعق بتلك الآفاق غراب، أو طن بأقصى الشام والعراق ذباب، لجثوا على هذا صنمًا وتلوا ذلك كتابًا محكمًا، وأخبارهم الباهرة، وأشعارهم السائرة، مرمى القصبة ومناخ الرذية، لا يعمر بها جنان ولا خلد، ولا يصرف فيها لسان ولا يد، فغاظني منهم ذلك، وأنفت مما هنالك، وأخذت نفسي بجمع ما وجدت من حسنات دهري، وتتبع محاسن أهل بلدي وعصري، غيرة لهذا الأفق الغريب أن تعود بدوره أهلة، وتصبح ثماره ثمارًا مضمحلة، مع كثرة أدبائه، ووفور علمائه وقديمًا ضيعوا العلم وأهله، ويا رب محسن مات إحسانه قبله، وليت شعري من قصر العلم على بعض الزمان وخص أهل المشرق بالإحسان؟

إن إسرافًا شديدًا وتحاملًا غير كريم على أدب المشرق وأدبائه يبدو سافرًا صارخًا في تلك السطور التي قدم ابن بسام بها كتابه، وهو عيب يحسب عليه، وسقطة تردى فيها، فما زال شعراء المشرق هم أساتذة الشعر وإن لمع في سماء الأندلس نجوم، وما برح كتاب المشرق هم أئمة الكتاب وكل كتاب الأندلس بلا استثناء حتى عصر المؤلف عيال عليهم وصورة مهتزة عنهم، إن مجرد الحماس أمر لا غبار عليه، وهو مطلوب مفيد في بعض الأحيان أما التحامل والتجني والتحقير، فأمور لا ينبغي أن يتصف بها مؤلف إذا أراد أن ينتظم في عقد الصادقين من المؤرخين والرواة والمؤلفين.

ولذلك فيقدر عيبنا ابن بسام حملته تلك الشعواء على المشارقة، فإننا لا نجد ضيرًا عليه في تحمسه لكتابه ومحتواه، وخلع الصفات الغالية عليه حين قال:2

طور بواسطة نورين ميديا © 2015