المولى، بغدادي الدار.

لقد رغب عسكر مولى ياقوت في أن يعلم فتاه مبادئ القراءة والكتابة، والحساب حتى يساعده في ضبط أمور تجارته، وكان الأرقاء يتاجرون لمواليهم ويرتحلون ويبيعون ويشترون، فقام ياقوت بالعديد من الأسفار، وكان في الوقت نفسه مغرمًا بالعلم فتعلم شيئًا من النحو واللغة وتحسين الخط.

وما لبث ياقوت أن نال حريته، وانعتق من عقال الرق بعد جفوة جرت بينه وبين سيده فلم يجد ما يتكسب به قوت يومه غير النسخ بالأجرة، ولعل عملية النسخ هذه هي السبب في الخير الوفير الذي فاضت به ملكة ياقوت في التأليف فترك لنا من الكتب القيمة ما سوف يأتي حديثه بعد حين.

ويبدو أن عسكرًا احتاج مرة أخرى إلى ياقوت فطلب إليه معاودة الاتجار له فوافق ياقوت إلى ذلك العرض، وما إن عاد من سفرته الرابحة حتى كان عسكر قد فارق الحياة فأعطي ياقوت أسرة مولاه ما أرضاها من المال واستبقى لنفسه منه ما يستطيع أن يجعله بداية لاستثمار ورأس مال للاتجار.

وفي سنة 603هـ ترك ياقوت بغداد واتجه إلى دمشق، وأقام في أسواقها غير أنه كان متأثرًا بمذهب الخوارج شديد التحامل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فصدر عنه في مناظرة مع أحد البغداديين في دمشق ما لا يليق من القول في حق الخليفة الراشد، وتألب الناس عليه فلم يجد بدًّا من أن يغادر دمشق هاربًا بعد إقامة طويلة فيها إلى حلب، ومن حلب انتقل إلى الموصل، وظل يضرب في أكناف الأرض متجهًا إلى إريل ومنها إلى خراسان فاستوطن مرو وعمل فيها بالتجارة التي كانت الكتب تشكل جانبًا منها. ثم عن له أن يخرج من مرو إلى نسا فخوارزم. ويتصادف أن يخرج التتار خروجهم المشئوم وهو في تلك المدينة الأخيرة سنة 616هـ، فلا يجد ياقوت بدًّا من أن ينجو بنفسه فيهرب حتى تلقي به عصا الترحال في الموصل ممزق النفس معذب الخاطر. ومن الموصل يكتب رسالة إلى القاضي جمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي وزير صاحب حلب يصف فيها حاله وما حل به من متاعب وما تعرض له من مخاطر تعتبر نفحة من الأدب الرفيع بمعيار ذلك الزمان1. ثم تتهيأ لياقوت أسباب السفر إلى حلب مرورًا بسنجار فأقام بظاهر حلب منذ وصوله إليها حوالى 617 إلى أن وافاه أجله فيها سنة 626هـ.

لقد أفاد ياقوت من الأسفار فائدة جليلة ساعدته على تأليف بعض كتبه خاصة كتاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015