منهج كتاب تاريخ بغداد:

إنه بيت القصيد في هذا الفصل وإنما -كعادتنا- وكنهج علمي سليم نجد من الضرورة بمكان التعريف بالمؤلف تعريفًا سريعًا حتى يسبر قارئ كتبه غوره، ويلم بأطراف علمه وطبيعة ثقافته، وإن المؤرخين وكتاب التراجم والطبقات حين يترجمون للخطيب البغدادي يقولون: لو لم يكن له إلا "التاريخ" -يعني تاريخ بغداد- لكفى، فلنعرض إذن لمنهج الكتاب وطبيعته على النسق الذي تعودنا السير عليه والنهج الذي اخترناه لأنفسنا مسلكًا أقرب إلى اليسر للإلمام بالكتاب والإبانة عن مزاياه والإشارة إلى ما فاته فيما إذا كان قد فاته شيء ذو بال.

أولًا: لخص المؤلف منهجه لكتابه الطويل -أول الأمر- في سطور قصيرة موجزة غير مطولة، مجملة غير مفصلة وذلك في قوله:

"هذا كتاب تاريخ مدينة السلام وخبر بنائها، وذكر كبراء نزالها، وذكر وارديها وتسمية علمائها. ذكرت من ذلك ما بلغني علمه وانتهت إلي معرفته، مستعينًا على ما يعرض من جميع الأمور بالله الكريم، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أخبرنا عبد العزيز بن أبي الحسن القرميسيني قال: سمعت عمر بن أحمد بن عثمان يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: سمعت عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا يونس دخلت بغداد؟ قلت: لا. قال: ما رأيت الدنيا1.

كان ذلك هو منهج الخطيب في تأليفه كتابه الكبير: تاريخ المدينة لفضلها وخبر ساكنيها والوافدين عليها من العلماء في منهج من أدق المناهج، وهو منهج أهل الحديث في تحقيق الأخبار قبل روايتها، وقد مر بنا القول إن المؤلف كان كبير محدثي عصره، وإنه كان حجة في التمييز بين الصحيح، والمدلس من الأخبار.

ثانيًا: أفرد المؤلف فصلًا غير قصير تحدث فيه عن بغداد منذ أن كانت أرضًا من أراضي السواد، ثم فكرة المنصور العباسي في بنائها. ومن الحديث، عن السواد ينطلق إلى الحديث، عن فتح العراق، وفارس أيام الخليفة عمر بن الخطاب، ثم يورد مناقب أهل بغداد وظروفهم معرضًا بالأحاديث المدلسة التي رويت في الطعن على أهاليها.

ويدفع به حديث تاريخ بغداد إلى الكلام على أبي جعفر المنصور بانيها ومنشئها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015