وليت لنا بالديك صوت حمامة ... على فنن من أرض بيشة دان
وليت القلاص الأدم قد وخدت بنا ... بواد تهام في ربًا ومتان
بواد تهام تنبت السدر صدره ... وأسفله بالمرج والعلجان
وقريب منه لآخر:
يجيئوننا بالورد كل عشية ... وللشيح في عيني أذكى من الورد
ولا سيما إن كان من شيح تلعة ... بوادي سبيبٍ جاده صيب الرعد
فتلك لعمري نظرة لو نظراتها ... ستذهب وجدي أو تزيد على وجدي
ثالثًا: وكما تأثر الخالديان في حماستهما بموضوعات حماسة البحتري، فإنهما تأثرا كذلك بمنهج ابن المعتز في كتابه طبقات الشعراء، ذلك أن ابن المعتز قد ذكر أنه لا يأتي من نصوص الشعر لمن ترجم لهم إلا ذلك الذي لم يكن محفوظًا، أو شائعًا بين الناس، إن رسالتنا هذه مختار ما وقع إلينا من أشعار الجاهلية، ومن تبعهم من المخضرمين ونجتنب أشعار المشاهير لكونها في أيدي الناس، فلا نذكر منها إلا الشيء اليسير ولا نخليها من غرر ما روينا للمحدثين، ونذكر أشياء من النظائر إذا وردت والإجازات إذا عنت، ونتكلم على المعاني المخترعة والمتبعة".
ومن ثم فإن الكتاب يعتمد أكثر ما يعتمد على شعر الجاهليين، والمخضرمين، ويقلل من إيراد شعر غيرهم، وهذا بعينه هو طريق البحتري في حماسته.
رابعًا: إن الكتاب على نفاسته والجهد الذي بذل في تأليفه والسهر على جمع شواهده يعيبه أمران أساسيان منهجيان: الأمر الأول هو إغفال عناوين الموضوعات، وكان تلافي ذلك من اليسر بمكان لو أن المؤلفين فطنا إلى ذلك، وهي هفوة سقط فيها أكثر من مؤلف قديم قدير. والأمر الثاني هو ذكر شواهد أو أبيات الموضوع الواحد على مجموعات مفرقة في أماكن عدة من الكتاب، بل إنه كثيرًا ما تتكرر الأبيات نفسها بسبب الغفلة عن ذكرها في موضع سلف.