ذا بال، فإن الموضوعات التي طرقاها شبيهة كل الشبه بعناوين أبواب حماسيات البحتري، والفرق بين الكتابين من هذه الناحية أن البحتري وضع عناوين لأبوابه، وأما الخالديان فإنهما لم يفعلا شيئًا من ذلك، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن البحتري مرتب الفكر ذو أسلوب ومنهج في التأليف، وليس الأمر كذلك عند الخالديين.
إن مجموعة الأبيات المتسلسلة المتناظرة التي تطلب من المرء أن يرحل من دار أو مقام يلقى فيه الهوان1 هي نفسها موضوع من موضوعات حماسة البحتري، وإن موضوع وصف حديث النساء2 أيضًا يضاهي إحدى موضوعات حماسيات البحتري بل أبي تمام، فالبحتري أتى بباب في شعر المرأة العربية في الرثاء، وأبو تمام جاء بمقطوعات قالها الشعراء في مذمة المرأة، والخالديان جاءا بموضوع يضم مقطوعات وأبياتًا في وصف حديث المرأة ورقته.
وموضوعات حماسة الخالديين فيها طرافة وحسن انتقاء، وتسلسل لطيف رغم قطعهما الموضوع فجأة للانتقال إلى موضوع آخر. فمن موضوعاتهما الطريفة: فضل البدو على الحضر3 ويتبعان ذلك مباشرة بموضوع "فضل البدوية على الحضرية"4، ومن موضوعاتهما الطريفة أيضًا ما قيل في "الأماني"5 ومنها وشاية الطيب والحلي على أصحابها6.
لنستعرض بضاعة الخالديين التي أورداها في فضل البدو على الحضر:
قال بعض الأعراب وغزا في أيام الفتوح إلى ناحية خراسان، واعتل فكان في قصر من قصور الري وجاشت الديلم، وكان في كل يوم ينادي المنادي بالنفير، فقال:
لعمري لجو من جواء سويقة ... أسافله ميت وأعلاه أجرع
به العين والآرام والأدم ترتعي ... وأم الرئال والظليم المجنع