ربما ذهب بعض الدارسين إلى وجوب وضعها في الفترة نفسها التي وضع فيها الضبي مفضلياته، ذلك أن البستاني في مقدمة الإلياذة حدد وفاة أبي زيد القرشي صاحب الجمهرة بسنة 170هـ وهذا التحديد بعيد كل البعد عن الحقيقة، ذلك أن من روى عنهم أبو زيد والمعاصرون له قد عاشوا في منتصف القرن الثالث الهجري، ذلك أن أبا زيد يذكر أحد الأخبار قائلًا: "وعن المقنع، عن أبيه، عن الأصمعي قال: دخلت البادية من ديار فهم، فقال لي رجل منهم: ما أدخل القروي باديتنا؟ فقلت: طلب العلم، قال: عليك بالعلم فإنه أنس في السفر، وزين في الحضر، وزيادة في المروءة، وشرف في النسب، وفي مثلهذا يقول الشاعر:

عي الشريف يشين منصبه ... وابن اللئيم يزينه الأدب"1

وإنهذا الخبر على طرافته لا يعنينا كثيرًا من حيث كونه خبرًا، وإنما يعنينا من حيث الرواية التي تحدد لنا الفترة الزمنية التي عاش فيها صاحب الجمهرة، إن الأصمعي قد توفي سنة 216هـ وأبو زيد لم يرو عنه مباشرة وإنما روي عن جيلين بعده، وهما المقنع وأبوه، فإذا افترضنا أن بين كل جيل وسابقه خمسة وعشرين عامًا يكون أبو زيد قد عاش حوالي سنة 250هـ يعني منتصف القرن الثالث. وعلى كل حال فإنه بالتأكيد لم يمت عام 170هـ كما ذكر البستاني، وإنما عاش على التأكيد بعد وفاة الأصمعي بجيلين، ولقد ذكرنا من قبل أن الأصمعي مات سنة 216هـ. وبذلك يتأكد لنا أن جمهرة أشعار العرب تمثل المرحلة الرابعة في اختيارات الشعر.

وإذا كان كل من حماد والمفضل والأصمعي لم يقدم لاختياراته بدارسة أو مقدمة، فإن أبا زيد القرشي قد كتب مقدمة غير قصيرة لكتابه تجمع بين الصواب والخطأ، وتقرن الغث بالسمين، ففي مقدمته نسب شعرًا إلى سيدنا آدم ونسب شعرًا آخر إلى إبليس وإلى العمالقة وغيرهم من الأمم التي بادت مثل عاد وثمود، بل إنه ذكر طرائف كثيرة عن الجن وأشعارهم يمكن للقارئ أن يتسلى بها على ألا يأخذها مأخذ الحقيقة والجدية.

غير أنه قدم فصولًا على جانب من القيمة وإن كانت قصيرة نوعًا في أخبار كبار شعراء الجاهلية مثل زهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني، ولبيد وأعشى بكر بن وائل ومن قدموهم على غيرهم، كما ذكر أخبارًا قصارًا عن كل من عمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد.

والرجل لغرامه بالأشعار التي جعلته ينسب بعضها إلى من ذكرنا من أصحاب عاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015