انصب على المنهج والرواية دون المتن والنص، وهم في ذلك أيضًا إما متحاملون وإما جاهلون، حال عجزهم عن فهم النصوص ومتابعتها بينهم وبين أن يصدروا أحكامًا سليمة تتمشى مع طبيعة أرقى منهج علمي لتوثيق رواية بعينها عند أمة من الأمم حتى يومنا هذا.

لقد كان علماء الحديث من الحذق والذكاء والعبقرية وسعة المعرفة وعمق الإدراك بحيث قسموا الأحاديث من جهة قوتها وضعفها بعد دراستها دراسة واعية إلى مراتب عديدة، لكل مرتبة صفتها وتعريفها وأمثلتها، فمن هذه الرتب: الصحيح، الحسن، الضعيف، المسند، المتصل، المرفوع، الموقوف المقطوع، المرسل، المنقطع، المعضل، المدلس، المعلل، المضطرب، المدرج، الموضوع، المقلوب، المشهور، الغريب، والعزيز، المسلسل، الناسخ والمنسوخ، المصحف، المختلف، المؤتلف والمختلف، المتفق والمفترق وغير ذلك من الرتب التي توسع في التعريف بها وأكثر من التمثل لها رجال مصطلح الحديث1.

ومن دراسة مراتب الحديث نفسه ينتقل علماء الحديث إلى دراسة رواية الحديث، فيذكرون صفة من تقبيل روايته، معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وسائر وجوه الأخذ والتحمل، معرفة كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده، معرفة كيفية رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك، معرفة آداب المحدث، معرفة أداب طالب الحديث، معرفة الإسناد العالي والنازل.

ومن دراسة الرواية يتسلسل منهج أساتذة الحديث إلى تناول المحدثين أنفسهم ورتبهم وأجناسهم وصلاتهم بعضهم ببعض، وطبقاتهم وأوطانهم وأعمارهم على هذا النحو الممتع من المنهج: معرفة الصحابة رضي الله عنهم، معرفة التابعين رضي الله عنهم، معرفة الأكابر من الرواة عن الأصاغر، معرفة الأخوة والأخوات من العلماء والرواة، معرفة رواية الآباء عن الأبناء معرفة رواية الأبناء عن الآباء، معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر تباعد ما بين وفاتيهما، معرفة من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة، معرفة المفردات من أسماء الصحابة والرواة والعلماء، معرفة الأسماء والكنى، معرفة كنى المعروفين بالأسماء دون الكنى، معرفة ألقاب المحدثين، معرفة الثقات والضعاف من الرواة، معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات، معرفة طبقات الرواة والعلماء، معرفة الموالي من الرواة والعلماء، معرفة أوطان الرواة وبلدانهم.

هكذا يتناول رجال الحديث موضوعهم في نطاق هذا المنهج الدقيق الذي يذهل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015