في نفسي لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل. فقال له ابن ماسويه: لا تجزع فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها ما إن سلمك الله من العوارض بلغك عشر سنين أخرى1. ومن الطريف أن يوافق القدر كلام الطبيب ابن ماسويه، فيعيش ابن سلام عشر سنوات أخرى ويموت سنة 232هـ ويكون قد عمر تبعًا لذلك اثنين وتسعين عامًا، وبحسبة بسيطة يكون ابن سلام الجمحي قد ولد سنة 140هـ، ونحن لا نعرف من اهتم بجمع الشعر والتأليف فيه من قد ولد في هذا التاريخ أو قبله.

ويذكر ياقوت الحموي أن لابن سلام فضلًا عن طبقات الشعراء كتاب غريب القرآن2.

وإن مثل ابن سلام، وهو مقدم على تأليف كتاب طبقات العشراء لا بد له أن يكون متسلحًا بالرواية، رواية الشعر ورواية الحديث.

وتذكر المصادر التي ترجمت له أنه كان محدثًا، وأن الشيخ الجليل الإمام ابن حنبل قد أخذ عنه، وإن كانت هناك أخبار تشكك في قدره كمحدث؛ لأنه كان يرمي بالقدر، ومن ثم فقد قيل عنه: إنما يكتب عنه الشعر وأما الحديث فلا. وإن الذي نهتم له هنا هو الشعر، فقد روى الرجل الشعر وهو أيضًا أول من ألف فيه، وهو إلى جانب ذلك أي إلى جانب كونه راوية، يذكر عنه أنه أخباري نحوي لغوي من مدرسة البصرة، ونستطيع أيضًا أن نلمح لديه سمات النقد التي تتمشى مع طبيعة مثل هذا الفن في أول نشأته.

ولابن سلام رأي في الشعر وله معايير في تمييز الجيد من الرديء، والصحيح من المنحول فيقول، وكأنه أراد أن يقدم لكتابه بدراسة مختصرة عن الشعر:

"وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم، والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان، من ذلك اللؤلؤ والياقوت لا يعرف بصفة ولا وزن دون المعاينة ممن يبصره ومن ذلك الجهبذة بالدينار والدرهم لا يعرف جودتها بلون ولا مس ولا طراز ولا حس ولا صفة ويعرفها الناقد عند المعاينة فيعرف بهرجها وزائفها وستوقها ومفرغها. ومنه البصر بغريب النخل والبصر بأنواع المتاع وضروبه واختلاف بلاده وتشابه لونه ومسه وذرعه، حتى يضاف كل صنف منها إلى بلده الذي خرج منه، وكذلك بصر الرقيق فتوصف الجارية، فيقال ناصعة اللون جيدة الشطب نقية الثغر حسنة العين والأنف جيدة النهود طريفة اللسان واردة الشعر، فتكون هذه الصفة بمائة دينار وبمائتي دينار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015