ومن أعمام أبيه أيضًا عمرو بن مسعدة المتوفى سنة 217هـ، وكان عمرو صاحب علم وفضل وبلاغة وسياسة، عمل وزيرًا للمأمون وللحسن بن سهل، ولسحر قلمه في الكتابة كان المأمون يردد بعض كتبه إعجابًا واستحسانًا، وقرأ له جعفر البرمكي توقيعًا ذات يوم وكان لا يزال كاتبًا صغيرًا في ديوانه فضربه على كتفه ضربة إعجاب وأردف، قائلًا: أي وزير في جلدك1؟.

إن لأبي بكر الصولي من أسباب الانتماء الأدبي والأسرى ما يمكن أن يهيء له سبل النبوغ الأدبي والإبداع العلمي فيما لو تعهد نفسه وصقلها باكتساب المعرفة. ولقد فعل. فإنه روى وتتلمذ على أبي داود السجستاني وأبي العباس ثعلب، وأبي العباس المبرد وكثيرين غيرهم من صفوة علماء زمانه الذين أورد أسماءهم تفصيلًا بعض من ترجموا له2.

وقد بلغ من هيام أبي بكر بالمعرفة والكتب أن اقتنى في بيته مكتبة كبيرة أحسن ترتيبها وتأنق في تجليد كتبها وتعدد ألوانها. وكان أكثر ما فيها من كتب -على ما يبدو- تلك التي دونها أو نسخها أو ألفها بنفسه، وكان يقول مشيرًا إليها: هذه كلها سماعي. فإذا احتاج إلى مراجعة شيء قال: يا غلام، هات الكتاب الفلاني. ويبدو أن ذلك لم يعجب بعض معاصريه، فقد ألفوا من العلماء أن يحاضروا أو يتكلموا دون الرجوع إلى ورقة أو كتاب مثلما كان يفعل ابن الأعرابي، ومن ثم فإن أبا سعيد هجا أبا بكر الصولي من خلال مكتبه قائلًا هذه الأبيات الطريفة3:

إنما الصولي شيخ ... أعلم الناس خزانه

إن سألناه بعلم ... طلبًا منه إبانه

قال يا غلمان هاتوا ... رزمة العلم فلانه

وإذا كان قد بدا للعقيلي أن مراجعة أبي بكر لكتبه نقيصة فإنه قد جانب الصواب؛ لأن استشارة الكتاب ومراجعته واجبة في كل عصر وكل زمان.

وأبو بكر له أيضًا مشاركة في رواية الحديث، وقد ذكره الخطيب البغدادي أكثر من مرة كواحد من المحدثين الذين ينسلكون في عنعنة إسناد أكثر من حديث4.

وشأن كثير من الأدباء، إن لم يكن جميعهم، قال أبو بكر شعرًا رقيقًا ولكنه ليس من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015